لماذا يُعدّ الجلوس لفترات طويلة مُضرّاً بالصحة؟عربي ReadSpeaker اَستمعُ إلى هذه الصفحةِ مستخدما

علم جميعاً بأنَّ البشرَ أصبحوا اليومَ بحاجة أكبر لأن يكونوا أكثرَ نشاطاً؛ ولكنَّ القضيةَ لا تنتهي هنا وحسب، إذ إنَّ الأدلة تزداد يوماً بعدَ يوم حول ضرورة تجنُّب الجلوس لفترات طويلة أيضاً.

فقد أشارت الأبحاثُ إلى أنَّ الجلوسَ لفترات طويلة جداً ينعكس سلباً على صحَّة الإنسان، بغضِّ النظر عمّا يمارسه من تمارين رياضية.

وقد ربطت هذه الدراساتُ بين الجلوس لفترات طويلة والإصابة بكلٍّ من البدانة أو السُّمنة، والداء السكَّري من النمط الثاني، وبعض أنواع السرطان، والوفاة المبكِّرة.

يعتقد الخبراءُ بأنَّ الجلوسَ لفترات طويلة يُبطئ من وتيرة الاستقلاب، ممَّا يؤثِّر في قدرة الجسم على تنظيم معدَّلات سكَّر الدم، وضغط الدم، واستقلاب الشحوم.

تشير الإحصائياتُ الواردة من المملكة المتحدة إلى أن العديدَ من البالغين يُمضون أكثرَ من سبع ساعات يومياً بين الجلوس والاستلقاء، وأنَّ ذلك المُعدَّل يزداد مع التقدُّم في العمر ليصل إلى حدود 10 ساعات أو أكثر. وتتضمَّن فتراتُ الجلوس تلك مشاهدةَ التلفاز، واستخدام الحاسب، والقراءة، والقيام بالأعمال المكتبية، والسفر بالسيَّارة أو الباص أو القطار، دون أن تدخلَ فتراتُ النوم في الحسبان.

يعتقد الخبراءُ بأنَّ هناك شيئاً سلبياً تجاه الصحَّة يكمن في فعل الجلوس أو الاستلقاء لساعات طويلة.

ففي إحدى أضخم الدراسات المُجراة على الإطلاق في هذا الصدد (حيث اشتملت على أكثر من 800 ألف شخص)، وجد الباحثون أنَّه بالمقارنة مع الأشخاص الذين يجلسون لفترات أقل، فإنَّ الأشخاصَ الذين يجلسون لفترات أطول كانوا يعانون من:

  • زيادة بنسبة 112% في خطر الإصابة بالداء السكَّري.
  • زيادة بنسبة 147% في الحوادث القلبية الوعائية.
  • زيادة بنسبة 90% في معدَّلات الوفيات الناجمة عن الحوادث القلبية الوعائية.
  • زيادة بنسبة 49% في معدَّلات الوفيات لأي سبب آخر


الإرشادات الصحية الرسمية

دفعت قوَّةُ هذه الأدلَّة الحكومة البريطانية في العام 2011 إلى إصدار توصيات جديدة لمختلف الفئات العمرية حول فوائد، وطرق التقليل من فترات الجلوس.

ففي التقرير الذي يحمل عنوان: انطلق بنشاط، وحافظ على حيويتك Start Active, Stay Active، جاءت التوصياتُ بضرورة كسر فترات الجلوس الطويلة بجرعات قصيرة من الأنشطة، لمدة دقيقة أو دقيقتين على الأقل.

كما أوصت لجنةُ كبار الخبراء، التي قامت بمراجعة الأدلَّة على تأثير الجلوس لفترات طويلة على الصحة وشاركت في إعداد التقرير السابق، بالقيام بفاصل حركي بعدَ كل 30 دقيقة من الجلوس.

تنطبق تلك النصائحُ على كل شخص، حتى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام، ذلك أنَّ الجلوسَ لفترات طويلة أصبح اليوم في تعداد عوامل الخطر على الصحَّة.

في تصريحاتٍ له، قال البروفسور ستيوارت بيدل، الذي ترأس لجنةَ إعداد التقرير السابق والأستاذ بجامعة فيكتوريا في أستراليا، أنَّ حياةَ الكثير من الذين يمارسون التمارين الرياضية بانتظام تتسم بطبيعة ساكنة.

وأضاف: “إذا اعتاد شخصٌ ما على الذهاب يومياً إلى نادي اللياقة البدنية أو مارس رياضة المشي بمعدل 30-40 دقيقة في اليوم، ثم أمضى بقيةَ نهاره جالساً أو مستلقياً، فإن نمط حياته يُعدّ ساكناً”.

يقول أيضاً: “إننا نعدّ الحركةَ المستمرة طوالَ النهار حاجة ضرورية لتعزيز الصحة، تماماً كما هي الحالُ بالنسبة للتمارين الرياضية التقليدية”.


ما هو مقدار الجلوس الذي يُعدّ طويلاً؟

النصيحةُ واضحة تماماً في هذا الصدد: للتقليل من خطر الإصابة بالمشاكل الصحية الناجمة عن قلَّة النشاط، ينبغي ممارسة التمارين الرياضية بانتظام – لمدة ساعتين ونصف أسبوعياً على الأقل – بالإضافة إلى التقليل من فترات الجلوس أو الاستلقاء ما أمكن.

ولكن من جهةٍ أخرى، لا تتوفَّر حتى الآن أدلَّةٌ كافية يمكن من خلالها الاستنتاج ما هي الحدود المسموحة للجلوس كلَّ يوم.

يقول البروفسور ديفيد دانستان من معهد بيكر آي دي آي لأمراض القلب والسكري في مدينة ملبورن بأستراليا: “لا نعلم حتَّى اللحظة ما إذا كانت هناك وصفة واحدة تصلح للجميع؛ فعلى سبيل المثال، من غير الواضح بعد ما إذا كانت النصيحة الموجهة لشخص يعاني من السِّمنة أو البدانة تصلح ذاتها لشخص لا يعاني من أيّ من ذلك”.

على أيّة حال، قامت بعض البلدان، مثل أستراليا والولايات المتحدة وفنلندا، بإصدار توصيات عامَّة حول مقدار الوقت المسموح فيه للأطفال بالجلوس، وهو يتراوح بشكل نمطي بين ساعة إلى ساعتين في اليوم.


سائقو الحافلات ورجال الفضاء

ظهر الارتباطُ بين الإصابة بالمشاكل الصحِّية والجلوس لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما وجد الباحثون أنَّ سائقي الحافلات البريطانيين كانوا أكثر إصابةً بالنوبات القلبية بمعدل الضعفين، بالمقارنة مع زملائهم الآخرين العاملين في مصلحة النقل.

لقد أُجرِيَت في السنوات القليلة الماضية العشرات من الأبحاث التي تتناول الأمراضَ الناجمة عن الجلوس، والتي نشأت عن نمط الحياة الساكن الذي يميل إليه البشر في أيامنا هذه.

يعتقد الخبراءُ بأنَّ الجلوس لفترات طويلة يُبطئ من عملية الاستقلاب، والتي تؤثِّر في قدرة أجسامنا على ضبط كلٍّ من سكر الدم وضغط الدم وعمليات استقلاب الدهون، وقد يُسبب ضعف العضلات والعظام أيضاً.

يقول البروفسور بيدل: “في الحقيقة، فإنَّ الجسم “ينطفئ” عند الجلوس، ولا يقوم إلاَّ بحد أدنى من النشاط العضلي.

لقد تَشكَّل إدراكُنا لهذا الموضوع إلى حدٍّ بعيد نتيجةَ الأبحاث التي أُجريت على روَّاد الفضاء في بداية السبعينيات من القرن الماضي، والتي خَلُصت حينها إلى أنَّ الحياة في ظل انعدام الجاذبية ترتبط بتسارع في خسارة الكتلة العضلية للجسم وشيخوخته.

يضيف البروفسور بيدل قائلاً: “يُعتقَد بأنَّ الجلوسَ لفترة طويلة يشبه بتأثيره ، ولو بدرجة أقل، ما يفعله انعدام الجاذبية برواد الفضاء”.


جوانب القصور في الدراسات الحالية

إنَّ معظمَ الأدلَّة المتوفرة لدينا الآن مُستخلصة من دراسات إحصائية راقبت الظواهر والآثار، وخَلصت إلى وجود صلة ما بينهما دون أن تتوصَّلَ إلى الكشف عن طبيعة هذه الصلة، وما إذا كانت علاقةَ سبب ونتيجة.

إن جوانب القصور في الدراسات الحالية هي أنَّ العديدَ منها اعتمد على تقدير الشخص نفسه لمدة جلوسه، ولم تأخذ دائماً بعين الاعتبار العواملَ الأخرى المؤثِّرة، مثل الإدمان على الكحول أو التدخين أو اتباع نظام غذائي غير صحي.

ويضيف البروفسور دانستان: “في ظلِّ الأدلة التي نملكها حالياً، فإننا لا نملك إجابةً شافية لتفسير ما يحدث. ولكن أفق معرفتنا يتوسع بناءً على مشاهداتنا في التجارب المخبرية”.

لقد كشفت الأبحاثُ المُجراة على روَّاد الفضاء، في وكالة ناسا إبّان عودتهم من الفضاء، أنَّ ممارستهم لرياضة المشي الخفيف كانت فعالةً في مغالبة الآثار السلبية الناجمة عن انعدام الوزن.

يقول البروفسور دانستان: “إنَّ كسرَ فترات الجلوس بفترات أخرى من الحركة يترك أثراً إيجابياً على العضلات والعظام، ويعزِّز وظائفَ الجسم كله، كما لو قمنا بإعطاء محرك السيارة دفعة إضافية من الوقود”


نصائح خاصة بكل فئة عمرية

تنطبق التوصياتُ العامَّة الواردة في التقرير سالف الذكر على جميع الفئات العمرية، ولكن يجب أن تُؤخذَ معها بعين الاعتبار بعضُ النصائح الخاصة بكل فئة عمرية.

 

 الأطفال دون الخامسة من العمر

يُنصَح الأهالي بالحدِّ من ساعات جلوس أطفالهم الذين هم دون الخامسة من العمر أمام التلفاز، أو سفرهم لساعات طويلة في وسائل النقل أو جلوسهم المطوَّل في عربات الأطفال.

ورد في تقرير “انطلق بنشاط وحافظ على حيويتك” ما يلي: “تتزايد الأدلةُ يوماً بعد يوم على أن السلوكَ السكوني في سنوات العمر الأولى يرتبط بزيادة معدلات السُّمنة والبدانة، كما أنه يحدّ من تنامي وعي الطفل”.

وفي حين أنَّ هذه المهمةَ قد تكون شاقةً لأبوين مشغولين، إلا أن تقديمَ هذه النصيحة في التقرير يعكس وعياً متزايداً لدى صانعي القرار بأنَّ العادات والخبرات المكتسبة في المراحل الأولى من العمر تترك أثراً بالغاً على الصحة في مرحلة البلوغ.

ويضيف التقريرُ في مكان آخر: “إن هناك حاجةً ماسّة لترسيخ أنماط سلوكية صحية عند الأطفال منذ سنوات حياتهم الأولى، وذلك بهدف وقايتهم من الأضرار الصحية مستقبلاً”.

– فيما يلي بعض النصائح للتقليل من زمن جلوس الأطفال الصغار لفترات طويلة:

  • ينبغي التقليلُ من الزمن الذي يقضيه الطفل في الحمّالات الصدرية أو مقاعد السيارة أو عربات الأطفال.
  • تقليل الوقت الذي يقضيه الطفل في الوسائط التي تساعده على المشي (الكرّاجات) أو النطاطات.
  • تقليل الوقت الذي يمضيه الطفل أمام التلفاز وغيره من الشاشات.

 

 الأطفال والمراهقون

تقول الأبحاثُ بأنَّ الأطفال والمراهقين الذين يعيشون في منازل تحتوي على أكثر من جهاز تلفاز أو عدَّة أجهزة حاسوب يميلون للجلوس لفترات أطول من سواهم.

بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 18 سنة، فإن مقاربات التقليل من زمن الجلوس تتضمَّن كل نشاطٍ من شأنه أن يدفعهم للحركة ضمن المنزل أو الصف أو البيئة التي يقطنونها.

– فيما يلي بعض النصائح للتقليل من زمن جلوس الأطفال والمراهقين لفترات طويلة:

  • التفكير بطرقٍ يستفيد بها الطفل من وقته بدلاً من الجلوس أمام الشاشة.
  • وضع سياسة عامَّة في المنزل للحدّ من عدد ساعات مشاهدة التلفاز في اليوم.
  • إزالة أجهزة التلفاز أو الحاسب من جميع غرف النوم.
  • تخصيص ساعات معيَّنة في اليوم يُمنع فيها نهائياً تشغيلُ أي شاشة، وذلك لتشجيع الأطفال على ممارسة النشاطات.
  • تشجيع أفراد العائلة على المشاركة في بعض الأعمال المنزلية، مثل ترتيب الطاولات أو التخلص من القمامة وغير ذلك.
  • اختيار هدايا رياضية لتقديمها للطفل في المناسبات بدلاً من الألعاب التي تتطلَّب منه البقاء ساكناً، مثل الدراجة الهوائية أو لوح التزلُّج أو الكرة أو مضارب التنس، وما إلى ذلك.

كما يمكن للأبوين أن يقدِّما قدوةً صالحةً للأبناء بالحد من عدد ساعات جلوسهما أما التلفاز، والتقليل من الأعمال التي لا يتطلب القيام بها أي نشاط عضلي.

 

 البالغون

يُنصَح البالغون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 إلى 64 سنة بالجلوس لفترات أقلّ في أثناء اليوم، بما في ذلك أوقات العمل، أو السفر، أو عند المكوث في المنزل.

– فيما يلي بعض النصائح للتقليل من زمن جلوس البالغين لفترات طويلة:

  • الوقوف بدل الجلوس في أثناء ركوب الحافلات أو القطارات.
  • استخدام السلالم بدلاً من المصاعد الكهربائية.
  • ضبط المنبِّه كي يرنّ كل نصف ساعة لتنبيه الشخص للوقوف والقيام ببعض الحركات.
  • محاولة إنجاز الأعمال بوضعية الوقوف.
  • وضع جهاز الحاسب فوق صندوق أو طاولة عالية والعمل عليه بوضعية الوقوف.
  • الوقوف أو المشي في أثناء الحديث بالهاتف.
  • ممارسة المشي في أثناء كلِّ استراحة عمل.
  • الذهاب إلى الزميل أو العميل والتحدُّث إليه مباشرةً بدلاً من مراسلته أو الاتصال به.
  • الاستعاضة عن الوقت المخصَّص لمشاهدة التلفاز بنشاطات أو هوايات أخرى حركية.

 

المُسنّون والشيوخ

يقضي بعضُ المسنِّين (الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق) أكثر من عشر ساعات يومياً بوضعية الجلوس أو الاستلقاء، مما يجعلهم الفئةَ العمرية الأكثر سكوناً في المجتمع.

يقول البروفسور بيدل: “من المحتمل أن يكون ذلك ناجماً عن تراجع كمّية المهمّات المُلقاة على عاتق المُسنّ، أو بسبب إصابته بمرض ما، ولكن هناك أعراف سائدة في المجتمع تتوقع من هؤلاء المسنين أن يُقلِّلوا من نشاطاتهم، ويخلدوا للراحة في المنزل”.

ينبغي على المسنين أن يقلّلوا ما أمكن من الفترات التي يُمضونها بوضعيات ساكنة كل يوم.

يقول البروفسور بيدل: “ينبغي كسرُ فترات الجلوس الطويلة، أو التسمّر أمام شاشة التلفاز، كما ينبغي على المسنّ القيام بنشاطات حركية أو نشاطات تتطلَّب الوقوف على القدمين قدر الإمكان، حتى ولو كان ذلك بالحديث إلى الآخرين واحتساء القهوة وقوفاً أو كتابة رسالة بذات الوضعية”.

– فيما يلي بعض النصائح للتقليل من زمن جلوس المسنّين لفترات طويلة:

  • تجنُّب الجلوس لفترات طويلة أمام شاشة التلفاز أو الحاسب.
  • الوقوف والمشي في أثناء عرض الفواصل الإعلانية في التلفاز.
  • الوقوف أو المشي في أثناء الحديث على الهاتف.
  • استخدام السلالم بدلاً من المصاعد الكهربائية قدر الإمكان.
  • ممارسة الهوايات التي تتطلَّب الحركة، مثل الاعتناء بحديقة المنزل أو صنع بعض الأدوات يدوياً.
  • المشاركة في النشاطات الاجتماعية، مثل حضور الأفراح والمناسبات المختلفة.
  • مشاركة الأحفاد والأطفال في ألعابهم.
  • القيام بالمهام المنزلية اليومية قدرَ الإمكان.