مفهوم المعالجة عند قدماء الأطباء العرب

عرَف المعالجةُ Treatment في بعض المؤلَّفات الطبِّية العربيَّة التُّراثية باسم التَّدبير Management.

وهي علمٌ غايتُه بُرءُ المريض واسترداد لعافيته. وقد برع الأطبَّاءُ العرب القُدامى في معالجة مرضاهم بالوسائِل التي كانت متوفِّرةً لديهم من أغذيةٍ وأدوية وحِمية، وبالفِصادَة والحِجامَة والجِراحة، وبالتَّوجيه والنُّصح والإرشاد.

وقد وَضعوا للمُعالجة قواعدَ وقوانينَ لا يَجوز إغفالُها أو الاستهانة بها، وهي:

1. إذا أمكنَ التَّدبيرُ بالأغذية، فلا تَعدل إلى الأدوية.

2. لا تُؤثِر الدَّواءَ المركَّب على الدَّواء المفرد إذا وجدت أنَّ الثانِي كافٍ.

3. إذا ما أشكل عليك المرضُ، فلا تَهجم بالدَّواء قبلَ أن يتضَّحَ لك الأمر.

4. لا تَجمع بين الفَصد والمسهِل في يومٍ واحد.

5. الحمَّام قبلَ الدَّواء يعين عليه.

6. النَّوم على الدَّواء القوي يزيد من فعله.

7. لا يسهل بالدَّواء شيخٌ ولا طفل، ولا من به زَرَب البطن، ولا ضعيف القوة، ولا من به قرحة.

 

 

 

الغِذاءُ

وهو أوَّل ما كان يهتمُّ به الطَّبيبُ العربي ويراعيه في معالجة مريضه، فيسمح بتناول الأطعمة الملائمة ويمنع الضارَّة منها، وينصح بنقصان كمِّية الغذاء أو بتعديل طريقة تحضيره وبتحديد أوقات تناوله.

 

الدَّواء

كان الطبيبُ المعالِج يصف لمريضه الدواءَ المناسب مراعياً حالتَه الصحِّية وأخلاطه ومزاجه وعمره وجنسه ووزنه وعاداته، وكان يُتقِن قوى الأدوية المفردة وأفعالها ومنافعها وكمِّياتها إتقاناً تاماً.

وقد ميَّز الأطبَّاءُ العرب للأدوية ثلاثَ قوى:

الأُوَل: وهي الأمزجةُ أو الطَّبائع الأربع، ولكلِّ قوَّة أربعُ درجات.

الثَّوانِي: وهي قوى كثيرة لا يختصُّ بها عضوٌ معيَّن، وأهمُّها المنضِّجة والمليِّنة والمصلِّبة والمسكِّنة.

الثَّوالِث: وهي قوى محدودة العدد وتخصُّ أعضاء معيِّنة، مثل المفتِّتة للحصى والمدرَّة للبول والطَّمث والمُعينَة على نَفثِ ما في الصَّدر.

وكانوا يَنصحون دائماً بالبدء في استعمال الغذاء، فإذا لم يستفد منه المريض يُلجأ إلى الدَّواء.

يَقولُ الرَّازي (نقلاً عن ابن أبي أُصَيبِعَة في عيون الأنباء):

“إن استطاعَ الحكيمُ أن يُعالِجَ بالأغذية دون الأدوية فقد وافقَ السَّعادة ” (19) .

ويقول ابنُ زهر (نقلاً عن ابن أبي أُصَيبِعَة في عيون الأنباء):

“أقسم بالله أنَّي ما سقيتُ دواء مسهلاً قط إلاَّ واشتغل بالي قبله بأيَّام وبعده بأيَّام، فإنَّما هي سموم، وكيف حال مدبِّر السُّم ومُسقِيه”.

 

الفِصادةُ والحجامة

كانت الفصادةُ عندَ الأطبَّاء العرب من أكثر الوسائل اتِّباعاً في معالجة الأمراض.

وكان يُراعى في إجرائها عمرُ المريض وجنسه وحالته الصحِّية، كما كان يُراعى الفصل والوقت الذي يتَّفق مع أبراجه.

ولقد مُنِعت مزاولتُها لدى المسنِّين والأطفال والحوامل.

وإذا صادفَ ما يمنع إجراءَ الفِصادة، يُلجأ إلى الحجامة الجافَّة أو الحجامة المصحوبة بإخراج الدم.

وأخيراً، لا يَغربُنَّ عن البال وجودُ وسائل أخرى كان يَلجأ إليها الطبيبُ العربِي في المعالجة، وهي الكيُّ والاستفراغ والرِّياضة والاستحمام والتَّدليك والتَّكميد.