الضوضاء والسلوك


من الموضوعات الهامة في البيئة “الضوضاء”. و الضوضاء التي تؤثر بالسلب على صحة الإنسان هي التي من صنعه. 

* تعريف الضوضاء:

” هي تلك الأصوات غير المرغوب فيها و تشعر معها بالإرهاق و التعب “

أنماط الضوضاء :

1- فسماع الموسيقى مثلاً بالشيء الممتع و المريح للأعصاب لكن إذا وصلت لحد الإزعاج أثناء الاستذكار أو القلق من النوم فنوصفها بالضوضاء المزعجة .

2- أصوات الباعة الجائلين.

3- أصوات الجيران المختلفة ( أصوات الكبار – صراخ الأطفال – الأجهزة من راديو أو كاسيت أو تلفزيون ).

4- آلات الصناعة .

5- وسائل النقل ( طائرات العادية أو النفاثة- سفن- دراجات بخارية- سيارات).

6- آلات الحدادة ( المطارق التي تعمل باستخدام الهواء المضغوط ).

و الضوضاء لها أثر سلبي ليس من الناحية النفسية فقط من عدم الرغبة في سماع الصوت بل جسدية أيضاً متمثل في عدم المقدرة على سماع الصوت لكونه أعلى مما يمكن أن يتحمله تركيب المخ.

قياس الضوضاء و الإدراك الحسي :

يفسر الضوء على أنه تغير سريع في ضغط جزيئات الهواء على طبلة الأذن . و عندما تندفع هذه الجزيئات متقاربة معاً بقوة ينتج الضغط الموجب وعند التباعد ينتج الضغط السلب أي العكس ، وهذا التذبذب الموجب و السلبي- يمكن تمثيله بيانياً ” بالموجات ” حيث تمثل الإشارات الإيجابية أعلى مستوى في التذبذب والعكس بالنسبة للسالب – يجعل طبلة الأذن تهتز و تنتقل إلى باقي أجزاء الأذن :

الأذن الوسطى .

الأذن الداخلية.

الغشاء القاعدي في القوقعة .

الخلايا الشعرية في الغشاء القاعدي.

ثم إلى:

العصب السمعي.

الفص الصدغي في المخ حيث يميز الصوت.

و يبدأ الإدراك الحسي بالسمع في مكان ما بين الغشاء القاعدي و الفص الصدغي عن طريق العصب السمعي حيث توجد شفرة يفسر للكائن الحي هذا المثير الصوتي من حيث الدرجة و الشدة 

الفرق بين درجة الصوت و شدته :

درجة الصوت : هي الخاصية التي نميز بها بين الصوت الغليظ غير الحاد و الصوت الرفيع الحاد.

شدة الصوت : هي الخاصية التي تفرق بين الأصوات من حيث تأثيرها على الأذن شديد أم ضعيف أو عال أم منخفض .

وتحسب الموجة الكاملة من تذبذبات الصوت إذا تحركت من القمة للقاع في الرسومات البيانية التي توضح ذلك و تقاس بما يسمى بالتردد ( تردد الصوت Frequency of Sound ) ، أما درجة الصوت تقاس ب(( Pitch . و الأذن في الإنسان العادي تسمع ترددات ما بين 20 ، 20000 سيكل /الثانية أي بين 20 و 20000 هرتز Hz ، وهذا يقودنا إلى حقيقة أن معظم الأصوات التي نسمعها هي خليط من الترددات و ليست تردد واحد فقط .

و يرجع الصوت العالي إلى مقدار الطاقة أو الضغط في الموجة الصوتية و أقل ضغط ( والذي يسمى بالعتبة الفارقة ( Threshold ) يمكن أنم تميزه الأذن العادية حوالي 2 000 و 0 ميكروبا ر( microbar ) أو 2 000 و0 داين / سم2 حيث أن الداين هو مقياس الضغط . و عند حوالي 1000 ميكروبار فإن الضغط يختبر كألم أكثر منه كصوت .

وهناك حقيقة ينبغي أن ندركها جيداً أن الضوضاء الأكثر توقعاً هي الأقل إثارة و عدم التوقع يؤدى إلى زيادة التوتر لأن عدم توقع الضوضاء يجعلنا نحس بتهديدها لنا عما لو كانت متوقعة .

التأثير الفسيولوجى للضوضاء : 

فقدان السمع :

بالرغم من الأصوات العالية الشديدة ( أقل من 150 ديسبل ) يمكن أن تحدث تمزقاً في طبلة الأذن أو في أجزاء أخرى ، ففقدان السمع يحدث في مستويات أقل ( 90-120 ديسبل) و ذلك بسبب الخلل الدائم أو المؤقت الذي يصيب الخلايا الشعرية الدقيقة الموجودة في عضو السمع ( القوقعة ) بالأذن الداخلية ، عند حدوث فقد في السمع لتردد معين فإنه يتطلب إحداث صوت أكبر من الصوت ذي السمعة المعتادة (بالديسيل ) لكي يسمع الشخص هذا التردد. أما المؤشر العادي لفقد السمع بالنسبة لتردد معين فهو عدد الديسيلات التي تزيد عن الترددات العادية التي يتطلبها الشخص ليصل إلى العتبة الجديدة أي لكي يسمع و يتدرج فقد السمع تحت واحد من نوعين :

(1) إزاحات مؤقتة للعتبة – و فيها تسترجع العتبات المزاحة العادية لأصلها خلال 16 ساعة بعد زوال الضوضاء المخربة .

(2)إزاحا ت تستمر أثارها شهر أو أكثر بعد توقف التعرض للضوضاء المخربة و يسمى هذا النوع بالضوضاء المحدثة لفقدان السمع بالتأثير.

و فقدان السمع الذي يعانى منه الملايين من الناس , يعد مشكلة حادة , ففي أمريكا مثلا ووفقاً للمسح الذي أجرته و كالة حماية البيئة … فإن ما يقرب من 3 ملايين من الأمريكيين يعانون من فقدان السمع بالتأثير . و هناك نتائج توصل إليها زوزن , برجمان , بليستور و ساتى (1962) يشير إلى مدى امتداد هذه المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية بالقياس إلى الحضارة الهادئة السودانية . ففي الحضارة الأخيرة فإن رجلاً عمره 70 سنة من إحدى القبائل يتمتع بقدرات سمعية تقارن بتلك التي يتمتع بها شخص أمريكي في العشرين من العمر , و لكي يمكن تجنب فقدان السمع بشكل جاد بين العاملين فى الصناعة , فإن هيئات العمل في الدول المتقدمة قد حددت قواعد يجب اتباعها و بموجبها يسمح بالعمل لمدة 8 ساعات يومياً عند التعرض للضوضاء ذات العلو (شدة ) 90 ديسيل , 4 ساعات يومياً عند التعرض لضوضاء قدرها 95 ديسيل ،ساعتين يوميا عند التعرض لضوضاء قدرها 100 ديسيل ، و نصف ساعة في اليوم عند التعرض لضوضاء قدرها 110 ديسيل و هكذا , و مع ذلك فإن سيارة نقل على بعد 50 قدماً تحدث ضوضاء شدتها 95 ديسيل . لذلك فإن الأفراد الذين يعيشون بالقرب شوارع أو مناطق ذات حركة مرور ثقيلة و مزدحمة هم بلا شك يتعرضون لمستويات ضوضائية تعلو كثيراًعن المستويات السابق ذكرها .

أما الشباب دون العشرين فغالباً ما يتعرضون لنوع آخر من مصادر الضوضاء المخربة و نعنى بها الموسيقى العالية الشدة , الموسيقى الصاخبة . و هناك دراسات عدة أجريت أوضحت بأن الشباب الذين يوجدون في جو من الموسيقى الصاخبة التي تتراوح شدتها بين 110, 120 ديسيل و يستمعون لنغماتها المستمرة دون توقف لمدة ساعة أو ساعة و نصف يصابون بفقدان السمع . 

الصحة البدنية :

إن التعرض لمستويات ضوضائية عالية الشدة تؤدى إلى الإثارة و التوتر . و نحن نتوقع إذن أن الإصابة بالأمراض ذات الصلة بالتوتر ( كالضغط العالي / و القرحة و ما إليها ) قد تزيد بالتعرض للضوضاء المزعجة . غير أن نتائج البحوث في هذا المجال ليست قاطعة . فقد أثبت العلماء كوهين, جلاس , فيلبس ( 1977) ” من خلال الدراسات التي تمت في هذا المجال أن الضوضاء عامل من العوامل المرضية هو برهان ضعيف , و هو أمر يمكن توضيحه ذلك أن التعرض للضوضاء ذات الشدة العالية يؤدى إلى تحفيز خلايا الجلد و إلى تضييق في الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد , و إلى ارتفاع الضغط في الدم و إلى الزيادة في بعض الإفرازات الجلدية Catecholamine Secretions.

و هذه التغيرات الفسيولوجية يصاحبها توتر و اضطرابات في الأوعية الدموية , غير أن ليست هناك دراسات معملية مضبوطة أجريت لتؤكد العلاقة ما بين الضوضاء و مرض القلب،أما الدراسات التي اقتصرت على إيجاد معاملات الارتباط فقد بينت أن الضوضاء يصحبها تقارير عن حالات مرضية حادة و مزمنة, و عن زيادة في استهلاك الأقراص المنومة , و عن الحاجة لزيارة أو استشارة الطبيب. وهذه الدراسات مع ذلك , ليست قاطعة في نتائجها حيث أنها لم تثبت العوامل التجريبية المختلفة مثل ظروف الإيواء , تربية الفرد , تعليمه , و مستوى الدخل .

و هناك دراسة قام بها ( أندرو , هاتورى – 1963 ) أسفرت عن وجود ارتباط بين تعرض الأمهات للضوضاء التي تحدثها الطائرات , و موت الجنين . كما أن هناك دراسات أخرى عديدة عنيت ببحث المشكلات الصحية للعاملين في الصناعة فيما يختص بالتعرض للضوضاء . و منها دراسة كلاً من ( كوهين 1973 ) و يانسن 1973) و انتهت إلى نتيجة مضمونها أن التعرض للضوضاء العالية الشدة يصحبها اضطرابات الأوعية القلبية , الحساسية , التهاب الحلق ( الزور ) ، اضطرابات في الهضم . وقد أسفرت البحوث أيضاً عن أن شباب العمال ذوى الخبرة المحدودة بالعمل يعانون أكثر من غيرهم عند التعرض للضوضاء , وهم بذلك يبرهنون على أن العمال ذوى الخبرات الفينة قد كيفوا حاسة السمع مع الضوضاء . و لسوء الحظ فإن مثل هذه الدراسات نادراً ما تعمل على ضبط العوامل الأخرى مثل ظروف المصانع, التعرض للملوثات ، أنشطة العمل المثيرة للتوتر – و بذلك فإن النتائج الخاصة بآثار الضوضاء على الصحة .

لذلك فمن الصعب أن نجزم أن للضوضاء آثاراً مباشرة ضارة بالصحة البدنية . بل أن آثارها ترتبط أساساً بالمثيرات الأخرى ( مثل الملوثات الصناعية – التوتر في العمل – و الضغوط الاقتصادية و هكذا ) – أو تكون قاصرة على أولئك الذين لديهم استعداداً خاص للتأثر باضطرابات فسيولوجية معينة .

* الضوضاء والصحة النفسية :
التعرض أو الاستماع لأصوات عالية والتي تذكر تحت اسم الشدة الضوضائية تؤدي إلي التوتر ، والتوتر عامل مسبب للمرض النفسي واضطرابات أخرى مصاحبة منها :
– الصداع .
– القلق .
– الغثيان .
– التقزز .
– عدم الاستقرار .
– حب الجدل (حتى في الأمور التافهة) .
– الفشل الجنسي .
– تغيرات في المزاج والعاطفة .
– فقدان التحكم الحسي .
– اللامبالاة (وهذا عامل غير متوقع يعمل علي زيادة القابلية للاضطرابات السيكولوجية) .
وقد تم التوصل إلي كل هذه النتائج مجتمعة في الدراسة التي أجراها ( كوهين وزملائه ميللر واستراكهوف 1969 – 1966 ) ، وهناك مجموعة من الدراسات الأخرى الممتعة التي عقدت المقارنة بين المصابين بالأمراض النفسية والقادمين من مناطق عالية الضوضاء (أبي ويكراما – ابروك – جاتوني وهيريدج 1969 ) وذلك من ربط العلاقة بين الضوضاء التي تحدثها الطائرات في الميناء الجوي وبين الصحة النفسية حيث تم التوصل إلي النسبة المتوقعة ” المناطق الأكثر ضوضاءاً تساوي النسبة الأكبر من المرضي ” وعلي الرغم من أنها دراسة ممتعة إلا أنها مثيرة للجدل ولم يجزم بأي نتيجة فيها .

* الضوضاء وإنجاز الأعمال :
وهذه العلاقة تتمثل في ثلاث نتائج :
• أثر مضاد (سلبي) .
• أثر إيجابي .
• عديمة الأثر .
وتعتمد نوعية الأثر علي العوامل التالية :
• نوعية الضوضاء (توقع حدوثها من عدمه) .
• شدة الضوضاء .
• نوع العمل الذي ينجز .
• مدى تحمل الفرد للتوتر .
• السمات والصفات الشخصية للفرد .
ومن نتائج الأبحاث ، فقد وجد (أوبل وبرايتون عام 1960) أن الأشخاص التي تتأثر بالتوتر العنيف هم الذين يتأثرون بالضوضاء عند إنجاز الأعمال ، وفي بحث آخر أجراه (كوركوران عام 1962) توصل إلي أن الأفراد التي تحرم من النوم لمدة يوم أو أكثر فإن خصائص الضوضاء تعمل علي تسهيل إنجاز العمل 
لهم .

* كيف يفسر التأثير الضوضائي ؟
– نظرية مستوى التكيف : تربط التغيير في إنجاز الأعمال تبعاً للمستويات المختلفة للمهارات وللخبرة وللحافز ، فالضوضاء تعمل علي تسهيل إنجاز الأعمال بالنسبة للأعمال البسيطة إلي حد معين أما المستويات العليا من الإثارة الضوضائية فإنها تتداخل مع إنجاز العمل في حالة الأعمال المعقدة – أما مستويات الضجيج تتداخل مع إنجاز العمل حتى وإن كان بسيطاً وقد تم تأييد هذه النظرية من منطلق نتائج البحوث التي تم إجراؤها .

– تفسير العلاقة بين الضجيج وإنجاز العمل : فالضوضاء غير المتوقعة تحتاج إلي انتباه وتركيز أكثر من الضوضاء المتوقعة . ولذلك فالضوضاء غير المتوقعة تتداخل أكثر في إنجاز العمل . وبالنسبة للأعمال المعقدة فهي تحتاج لمزيد من الانتباه والتركيز لإتمامها .
ومن خلال تفسير العلاقة بهذه الطريقة تم استنتاج أن السلوك الضاغط في العمل يفسر لنا لماذا يكون افتقاد التحكم في الضوضاء سبباً في الضرر الذي يصيب إنجاز العمل ، وإذا فقد التحكم في الضجيج فإن الجهد الأكبر يبذل لمحاولة إعادة التحكم في الضوضاء لا للعمل الذي يجب أدائه .
والجوانب الأخرى للتفسير، تم اكتشاف أن آثار الضجيج تفوق الأثر المباشر في إنجاز العمل ، ويتضح ذلك في إحدي التجارب التي قام بها (جلاست وسنجر وفريدمان 1969) حيث قاموا بمراقبة أشخاص ينجزون أعمالاً وبعد تعرضهم لمدة 25 دقيقة لضوضاء شدتها 108 ديسيبل ، وكانت هذه الأعمال تتطلب تركيزاً وإجراء العديد من المحاولات ، ومن أمثلتها حل الألغاز التي تبدو غير قابلة للحل وتم قياس عدد المحاولات التي يقوم بها الفرد لحل هذه الألغاز كمعيار ومؤشر لتحمل الفشل أو الإحباط أو المواظبة علي الاستمرار وغيرها من الأعمال الأخرى . ثم تمت مقارنة هذه المجموعة التجريبية بأخرى ضابطة (مجموعة لم تتعرض للضوضاء أو تعرضت لضوضاء متوقعة أو يمكن التحكم فيها) أبدت المجموعة التجريبية تحملاً للإحباط يبلغ قدره من نصف (1/2) – ثلث (1/3) المجموعة الضابطة ، ويتضح من ذلك أن التأثيرات البعدية (After effects) للضوضاء يمكن أن تكون في شدتها مماثلة لشدة التأثيرات التي تحدث أثناء الإحساس بالضوضاء أو الضجيج . كما أنها تعتمد علي القدرة علي التحكم في الإدراك ، ويتضح من بعض نتائج البحوث أن لبعض الأشخاص القدرة علي التحكم في إدراك بداية الضجيج وللبعض الآخر القدرة علي التحكم في إيقافه ، وهناك مجموعة تتحكم في إدراك البداية والنهاية معاً أما المجموعة الأخيرة لا تتحكم مطلقاً في عملية الإدراك وكلما كان التحكم كبيراً كلما كان الشخص أكثر تماسكاً في معالجة الموضوعات المعقدة . وتفسر الآثار البعدية بنظريتي ” سريان الإثارة ” و ” الثقل البيئي ” والتي تفسر عن ما تسببه البيئة من ثقل للشخص حيث أن بعد توقف الضوضاء يحس الفرد بأثر التعب الذي نشأ عن الضوضاء ولابد أن يمر بعض الوقت قبلما يستعيد انتباهه لكي يستعيد نشاطه العقلي والإدراكي . 

* الضوضاء والسلوك الاجتماعي :
إذا كان الإنسان يتأثر بالضجيج والضوضاء ويؤثر بالسلب علي حالته النفسية من توتر وضغوط فبطبيعة الحال سينتقل هذا في علاقاته مع الآخرين علي ثلاث مستويات هامة :
1- التجاذب .
2- الإيثار (مدى الاستجابة لمساعدة الآخرين) .
3- العدوان .

1- الضوضاء والتجاذب :
العلاقات الاجتماعية بين البشر بعضهم البعض تتلخص في “المشاعر والأحاسيس الودية” ، ويقاس التجاذب بيننا وبين الآخرين في قياس المسافات المتروكة بيننا وبينهم فنحن نجلس أو نقف أو نتحدث باقتراب من الأشخاص الذين نحبهم ونرتاح إليهم أكثر مما نقترب ممن لا نحب أو لا توجد بيننا علاقات وطيدة أي أن “المسافة” تلعب دور المؤشر في عملية التجاذب وبما أن الضوضاء تقلل من هذا التجاذب فالتوقع يأتي بأن الضوضاء تزيد من هذه المسافة المتروكة فيما بين الأشخاص وهذا ما وجده الباحثون ( ماثيوز – كانون – الكسندر 1974 ) في البحث عن الضوضاء التي لا تزيد شدتها عن 80 ديسيبل قد سببت زيادة المسافة التي يتركها الأفراد بين بعضهم البعض حتى يشعروا بالراحة .
وعن طبيعة كلاً من الرجل والمرأة في التأثر بالضوضاء في عملية التجاذب فقد وجد ميل أقل للرجال للتجاذب عن النساء في ضوضاء ذات شدة 84 ديسيبل حيث يتولد ميل أكبر للتجاذب عند النساء في وجود الضوضاء العالية … ومهما كانت نتائج الأبحاث فالثابت أن الضرر المصاحب للضوضاء يتسبب في نقص التجاذب أو زيادته .

2- الضوضاء والعدوان :
تقوم فكرة العلاقة بين الضوضاء والعدوان علي نظرية الاستجابة ، وتعتمد نظرية الاستجابة عند (هل واسنبس) بأن الزيادة في مستوي الإثارة الفردية تعمل علي زيادة شدة العدوان أو السلوك العدواني أي الذين لديهم ميل أو استعداد للعدوان . وقد قاما العالمان (جين وأونيل 1969) بإجراء تجربة عملية لإثبات صحة ذلك حيث جعلا بعض الأشخاص يشاهدون فيلماً لألعاب رياضية تخلو من العدوان أو فيلماً يتضمن ألعاباً بها العنف من أجل الحصول علي جائزة وذلك علي أساس توقع أن الفيلم العنيف يحفز المشاهدين علي العدوان . بعد ذلك أتيحت الفرصة للجميع لإحداث صدمات كهربية لأحد الأفراد (والتي تمثل العدوان) حيث أن مقدار الصدمة (شدة الصدمة – مدتها – عدد الصدمات) التي يختارها الفرد يتخذ معياراً تقاس به شدة الاعتداء أو شدة العدوانية ومن المهم الإشارة إلي أن الشخص الضحية (وهو أحد معاوني القائمين علي التجربة) لا يتعرض حقيقة للصدمات الكهربائية ولكنه يعتقد طوال وقت إجراء التجربة أنه يتلقي الصدمات وقد أمكن التوقع بأن الضوضاء البالغ قدرها 60 ديسيبل سترفع من مستوى العدوان عند الأفراد الذين يتعرضون للفيلم العنيف .

3- الضوضاء والإيثار :
كلما كانت الضوضاء مقلقة ومثيرة كلما كان الإنسان أقل استعداداً لتقديم العون للآخرين ومساعدتهم وهذا مؤسس علي نظرية ” الثقل البيئي ” فالضوضاء تسبب عدم تركيز الانتباه للمثيرات الأقل أهمية ومن ثم فإن العلاقات أو التلميحات الاجتماعية التي تستدعي تقديم المساعدة لشخص ما تصبح عديمة الأهمية .
وتم إجراء تجربتين لإثبات مدى المساعدة من عدمها : واحدة معملية والأخرى ميدانية .

* التجربة المعملية :
تعرض الأشخاص الخاضعين للتجربة لضوضاء عادية (48 ديسيبل) ثم ضوضاء قدرها 65 ديسيبل أرسلت عبر أنبوب يؤدي إلي المعمل من خلال متكلم مختفٍ ، وبمجرد وصول الأشخاص موضع التجربة للمعمل من أجل إجراء التجربة طلب منهم أن ينتظروا بضعة دقائق حتى يصل إليهم أحد الأفراد (وهو الشخص المعاون الذي له صلة بالقائم بالتجربة ، والذي كان جالساً يقرأ في صحيفة وعلي فخذيه بعض الكتب والأوراق وبعد بضع دقائق دعا القائم بالتجربة الشخص المعاون ، فلما نهض الأخير فجأة سقطت هذه الكتب والأوراق أمام أحد الأشخاص ، وكان الأساس في قياس المساعدة هو أن ينهض الشخص الخفي موضع التجريب ويعاون الرجل في التقاط ما سقط منه علي الأرض . وقد أسفرت النتائج عن وجود نقص في المساعدة المقدمة وسط هذه الظروف الضوضائية العادية – و67% منهم قدموا المساعدة في حالة 65 ديسيبل – و37% منهم فقط في حالة 85 ديسيبل .

* التجربة الميدانية :
كانت هذه التجربة (لماثيوز – كانون) وأوضحت نتائج شيقة حيث كان هناك شخص معاون يخرج من سيارة حاملاً صندوقاً من الكتب وأثناء خروجه يسقط منه الصندوق ولكي تبرز علامات المساعدة كانت هناك ضمادة علي ذراعه . وكان مصدر الضوضاء المنبعث من خلال آلة الحصاد – يعمل عليها شخص معاون آخر ، وفي حالة الضوضاء الخافتة لم تكن الآلة تعمل وإنما كانت الأصوات الضعيفة تنبعث من المصادر الأخرى المحيطة وكانت شدتها حوالي 50 ديسيبل وفي حالة الضوضاء العالية الصاخبة كانت آلة الحصاد تعمل دون استخدام كاتم الصوت – حيث بلغت الشدة 87 ديسيبل أما مقياس المساعدة قيس بعدد الأشخاص الذين يتوقفون لالتقاط الكتب التي سقطت . والنتيجة النهائية أثبتت أن للضوضاء تأثيراً كبيراً علي القيام بالمساعدة .