هو أبو جَعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد، ويُعرَف بابن الجزَّار من أهل القيروان، طَبيبٌ ومؤرِّخ وابنُ طَبيب. ومن أشهر أطبَّاء وعُلَماء القَرن الرَّابِع الهجري. قال عن الذَّهبِي في كتاب سِيَر أَعلام النُّبَلاء: “ابنُ الجزَّار الفَيلسوف الباهِر وشَيخ الطبِّ …”.
وُلدَ ابنُ الجزَّار في القيروان من أَعمال تُونس لأُسرةً اشتُهر أهلُها بالطبِّ، وتُوفِّيَ فيها عن نَيِّفٍ وثَمانين سنة، وقيل إنَّه تُوفِّيَ في الأَندلس. كانَ من أهل الحِفظ والتطلُّع والدِّراسة للطبِّ وسائر العلوم، حسنَ الفَهم لها، لم تُعرَف له زَلَّةٌ في مُمارَسة الطبِّ، عَفيفاً نَزيها لا يَتَقاضى على تَطبيبِه أجـراً.
وقـد تَتَلمذَ ابنُ الجزَّار على يدي أبيه وعمِّه، وكانا طَبيبَين حاذقَين، الأوَّل في طبِّ العيون والثَّاني في الجِراحَة؛ كما تتلمذَ على يد طبيبٍ شَهير في عصره هو إسحاق بن سُلَيمان، وهو يَهوديٌّ، وكذلك إسحاق بن عُمران. قالَ عنه سُلَيمان بن حسَّان، المعروف بابن جُلجُل “إنَّ أحمدَ بن أبِي خالد كان قد أخذَ لنفسِه مَأخذاً عَجيباً في سِمته وهَديه وتَعدُّده، ولم يُحفَظ عنه بالقَيروان زَلَّةٌ قط، ولا أَخلدَ إلى لَذَّة، وكان يَشهد الجنائزَ والعرائس، ولا يأكل فيها؛ ولا يَركب قطُّ إلى أحدٍ من رجال إفريقية ولا إلى سُلطان إلاَّ إلى أبي طالب عمِّ معد، وكان له صَديقاً قَديماً”. وترجمَ ابنُ الجزَّار عدداً من كتب الأطبَّاء اليونانيين، مثل كِتاب “المقالات الخمس” لديسقوريدس، وكتاب “المقالات الست في الأدوية المفردة” لجالينوس. واطَّلعَ على كتب العَديدِ من عُلَماء العَرب والمُسلِمين في الطبِّ والصيدلة وعلوم الحياة وغيرها.
اتَّصلَ ابنُ الجزَّار بالدَّولة العُبَيدية (الفاطميَّة)، وكثرت أموالُه وحَشمُه؛ وامتدَّت شهرتُه خارحَ القيروان، وقَصَده الدَّارِسون من بقاع عَديدَة. وبقيت كتبُه تُدرَّس في تونس من قِبل الأطبَّاء قرابةَ ستَّة قرون بعدَ وفاته.
تَكلَّم ابنُ الجزَّار في كِتابِه “سِياسَة الصِّبيان وتَدبيرهم” عن تدبير الأطفال منذ خُروجهم من أرحام أمَّهاتهم، وعن تَغذيتهم، ومَضجعهم وغَسلهم وتنظيفهم وإِرضاعهم، وصفات اللَّبن وتركيبه، وعن المُرضِعات والحاضنات، وعن الأمراض التي تَعرض للصبيان من الرأس حتَّى القدم، وعن تدبيرها وعِلاجها؛ وختمَ كتابَه في الكلام عن طبائع الصِّبيان وعاداتهم؛ وهو أوَّلُ من تكلَّم عن منعكس المصِّ عندَ المولود. ومن خِلال كتابِه هذا نستطيع القولَ بأنَّ ابنَ الجزَّار هو أوَّل طبيب عَربِي مُتَخصِّص في طبِّ الأطفال.
يَردُّ ابنُ الجزَّار أسبابَ السُّعال عندَ الأطفال إلى البرد الذي يتعرَّضون له، فيقول: “وإنَّما يَهيجُ ذلك فيهم لقُرب عَهدهم بالدفء في بطون أمَّهاتهم وخروجهم إلى برد الهواء، ولأنَّه ليس لألسنتهم قوَّة على سدِّ الحَنجَرة، فيهيج السُّعال لبرد الهواء ووصوله إلى حُلوقهم وصُدورهم”.
كما يَقولُ ابنُ الجزَّار: “وقد يعرض للصِّبيان الاختلافُ والقيء في الدرجة الأولى من أسنانهم، وكذلك قال أبقراط، والسَّببُ في ذلك أنَّ الصبيان ربَّما رغبوا في كثرةِ الرَّضاع، لأنَّهم لا يَعرفون قدرَ ما يَنفعهم منه، فتكثر عليهم لِعلَّةِ ذلك رطوبةُ اللبن، فإن طفا ووحل ذلك اللبنُ في معدته هَيَّج ذلك قَيئاً”. ومن كَلامِه “يَتَداوى كلُّ عَليلٍ بأدوية أرضِه، لأنَّ الطَّبيعةَ تَفزع إلى أَهلها”.
ولابنِ الجزَّار العَديدُ من الكُتُب، مثل:
كِتاب في عِلاج الأمراض، يُعرَف بزَاد المسافِر وقوت الحاضِر، وهو مُجلَّدان. وقد تُرجِم وطُبِع باللاتينيَّة واليونانيَّة والعبرية مِراراً.
كِتاب في الأدوية المفردة، ويُعرَف بالاعتِماد.
كِتاب في الأدوية المركَّبة، ويُعَرف بالبُغيَة.
كتاب العدَّة لطول المدَّة، وهو أكبر كتاب له في الطبِّ.
قوت المُقيم، حيث حكى الصَّاحبُ جَمالُ الدِّين القفطي أنَّه رأه بقفط، وهو كتابٌ كبير في الطبِّ بعشرين مجلَّداً.
كِتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها.
كِتاب طبِّ الفقراء.
رسالة في إبدال الأدوية.
كتاب في الفَرق بين العِلل التي تَشتَبه أَسبابُها وتَختلِفُ أَعراضُها.
رِسالَة في الزُّكام وأسبابه وعلاجه.
رِسالَة في النَّوم واليقظة.
سِياسَة الصِّبيان وتَدبيرهم؛ وهو كتابٌ جامِع يبحث في طبِّ الأطفال والعناية بهم، وما يعرض لهم من عِلَل وأَسقام في مختلف سنيِّ حياتهم، وفي تدبير هذه الأَمراض وطُرُق معالجتها. وقد اقتبسَ منه الزَّهراوي بعضَ معلوماتِه الطبِّية.
عَمل العطريَّات المُنتَخَبات