التمريض في العراق بين الواقع والطموح

الجبوري: الكل يشيد بأهمية التمريض وفي الوقت ذاته الكل يتجاهل حقوق الملاكات التمريضية، الكل يريد تمريض الغرب ويتجاهل الحقوق التي يحصل عليها ممرض الغرب، اقول وباختصار يجب منح الحقوق قبل المطالبة بالواجبات وليس العكس

الجبوري: التمريض، هو الصحة والصحة تعني الحياة ولا حياة بدون تمريض حقيقي مبني على تعليم حقيقي

الزيادي: التمريض في البلدان المتطورة يعتمد على الممارسة القائمة على الادلة والبحوث العلمية، اما التمريض في العراق فلا يعتمد على اي مما سبق فالممرضين الجدد يتعلمون من القدماء طرقهم في التمريض والمعالجة بغض النظر ان تكون تلك الطرق علمية او غير علمية.

عندما امارس مهنتي سوف اكون يد العون لإنقاذ ارواح المرضى وسأكون وسيلة من عند الله لحمايتهم

 

تحقيق/ وسن البلداوي

التمريض من المهن السامية ، من الممكن تعلمها لكن لا يستطيع كل من تعلمها ان يحسن القيام بها الا اذا كان يحمل من الصفات الانسانية الكثير، وهنا يأتي نجاح الممرض او الممرضة في عملهما، ولكونها مهنة انسانية لذا تبنى على اسس علمية ومعرفية واخلاقية تأتي من خلال تطوير الابحاث العلمية لتلبية حاجات الفرد و الاسرة والمجتمع ، و تأثر التمريض في العراق حاله حال بقية المهن الاخرى والخدمية بسبب الحروب والازمات التي مر بها ، ولتسليط الضوء على موضوع مهنة التمريض في العراق  بين الواقع والطموح التقت (شعبة اعلام كلية التمريض) بعدد من المتخصصين والعاملين في هذا القطاع فكانت لنا معهم هذه الوقفة..

التقيت الدكتور علي كريم الجبوري عميد كلية التمريض وسألته :

– ما هو رأيكم بواقع التمريض في العراق؟ وماهي اسباب التذبذب في اداء الممرضين فيه؟ وماهي الحلول اللازمة لتحسين الاداء التمريضي؟ وطموحاتكم لهذه المهنة؟

       مما لا شك فيه ولا خلاف ان مهنة التمريض هي من اصعب المهن ممارسة اذا ما مورست بشكل حقيقي وجاد وهذا يعني ان تعليم التمريض هو من اصعب وادق المهام نسبة الى تعليم العلوم الاخرى. وبالمقابل هناك تمييز معنوي ومادي سلبي ضد ممتهني هذه المهنة في العراق. فاذا كان الامر كذلك، فليس من المعقول ان نتمنى او نتوقع استقطاب نوعيات عالية المستوى ولديها كامل القناعة للعمل باخلاص في هذه المهنة، فمن المهم جدا ان تحقق المهنة الحاجات الاساسية للفرد والتي تبدا بحسب هرم ماسلو من الحاجات الفسيولوجية  وتنتهي بتحقيق الذات، فكيف نتوقع الارتقاء بهذه المهنة قبل منح الحقوق الكاملة لممتهنيها، بالتاكيد ليس لنا ذلك، اذا لا يمكن المطالبة بالواجبات والمحاسبة عليها دون ضمان الحقوق  والمحافظة عليها، فالكل يشيد بأهمية التمريض وفي الوقت ذاته الكل يتجاهل حقوق الملاكات التمريضية، الكل يريد تمريض الغرب ويتجاهل الحقوق التي يحصل عليها ممرض الغرب، اقول وباختصار يجب منح الحقوق قبل المطالبة بالواجبات وليس العكس هذا من جانب، ومن جانب اخر اعادة النظر بسياسات وزارة الصحة في تقديم الخدمات الصحية للناس فطالما اثبتت هذه السياسات فشلها في النهوض بالخدمات، ولدينا الكثير من الشواهد على ذلك، وهذا لا يعني ان الخلل في الوزير وانما في السياسات القديمة التي يجب اعادة النظر بها بكل جرأة وجدية. اما تعليم التمريض، فلا بد من الاهتمام به واعطائة الاولوية في سد كافة احتياجاته  ابتداءا من البنى التحتية للمؤسسات التعليمية وانتهاءا بسد النقص من الملاكات التدريسية والفنية لان اهمية تنبع من اهمية الصحة فالتمريض، هو الصحة والصحة تعني الحياة ولا حياة بدون تمريض حقيقي مبني على تعليم حقيقي.

 

والتقيت بالمدرس المساعد صافي داخل نوام الزياي المعاون الاداري لعميد كلية التمريض فكان له رأيه الذي وصفه بالصريح والواقعي، فعند سؤالي له حول الفرق بين التمريض في العراق والعالم ؟

قال: التمريض في البلدان المتطورة يعتمد على الممارسة القائمة على الادلة والبحوث العلمية (Research and evidnce based practice) ، اما التمريض في العراق فلا يعتمد على اي مما سبق فالممرضين الجدد يتعلمون من القدماء طرقهم في التمريض والمعالجة بغض النظر ان تكون تلك الطرق علمية او غير علمية.

لكن في السنين الاخيرة بدأت عملية رفد التمريض بدماء جديدة من حملة شهادة البكالوريوس في التمريض اللذين اكتسبوا علما ومهارات تمريضية عالية واللذين يعول عليهم كثيرا في تطوير مهنة التمريض في المستقبل.

ثم تساءلت هل الملاكات الاجنبية العاملة في مهنة التمريض افضل من الملاكات العراقية؟ ولماذا؟

فأجاب الزيادي:

نعم هم افضل من الملاكات العراقية وذلك لأسباب منها: اولا ما يتعلق بالمستوى العلمي بسبب تعدد التوصيف الوظيفي في مهنة التمريض، فتبدأ التصنيفات اعتبارا من دورة 6 اشهر، الى حملة الدكتوراه ، ومعظم الاعداديات والمعاهد لا تتعامل مع تدريس مهنة التمريض باحتراف حتى ان معظم الطلبة يتخرجون من المعهد او الإعدادية وهم لا يعرفون ابجديات التمريض.

ثانيا:  ان معظم المؤسسات العلمية كانت تستقبل الطلاب ذوي المعدلات الضعيفة لدراسة التمريض اما الان فعلى العكس تماما ومنها ما يتعلق بالأنظمة التي تدير التمريض

فنلاحظ غياب القيادة التي تنبع من افراد التمريض، فكل القيادات المسؤولة عن سن القوانين الخاصة بمهنة التمريض من وزارة الصحة والى جلها من الاطباء ، بعيدا عن اشراك ممتهنيها بالقرارات ومما يؤثر سلباً في هذه القرارات.

ثالثاً: ما يتعلق بالممرض نفسه ومنها عدم سعيه لزيادة المعرفة ومحاولة اكمال الدراسة او العمل على سد الثغرات التي خلقتها السياسات السابقة في هذه المهنة من قبيل الاعتناء بمستواه العلمي والثقافي او الاشتراك بدورات علمية لتعزيز الجانب المهاري لديه والتبعية المفرطة وذوبان شخصيته في شخصيات القيادات بغض النظر عن خلفياتهم العلمية والادارية وذلك لغياب الحافز المادي والمعنوي.

 

اما عن سؤالي له حول ان البعض يجد ان الفرق بين الممرضين الاجانب والعراقيين لا يكمن في احتراف العمل وانما في اسلوب التعامل؟ ما مدى صحة هذا الموضوع؟

اجاب: لا توجد احترافية في العمل التمريضي في العراق والاسباب كثيرة لو خضنا بها لا تكفي فصول وفصول، وهناك فرق في اسلوب التعامل بين التمريض في الدول الغربية والتمريض عندنا، فعندنا الممرض يقدم الخدمة للمريض كشخص متفضل على المريض ولا يراه واجبا عليه ، اما في الغرب فهناك قوانين ودساتير ومنظمات تمريضية علمية مسؤولة عن وضع القوانين ودليل عمل اخلاقي يقيد عمل التمريض .

ثم تجولت في اروقة كلية التمريض فكانت لي وقفة مع طلبة كلية التمريض ومن مختلف المراحل وسألتهم سؤال موحد الا وهو كيف تجد واقع التمريض في العراق؟ وماذا ستقدم انت لهذه المهنة السامية كونك ستكون ممرضاً جامعياً وحامل شهادة اكاديمية؟

الطالب محمد رافد مهدي / المرحلة الرابعة يقول:

من مشاكل التمريض في العراق عدم وجود  توصيف وظيفي للممرض الجامعي او تمييز عن باقي الملاكات التمريضية، ولا توجد هناك حلقات نقاشية حول الحالات المرضية الموجودة في المستشفى بين الكوادر التمريضية لغرض تبادل المعلومات والتقدم للوصول الى  المستوى العالمي ،وعدم شمول  الملاكات التمريضية بالخطورة بالنسبة للمستحقات المالية ،وذلك يؤدي الى احباط في نفسية الممرض وعدم وجود المحفزات لتأدية عمله  والواجب الذي على عاتقه،  كما انه لا توجد كوادر متخصصة من شخصيات او مسؤولين من الكادر التمريضي في وزارة الصحة ، كذلك تفتقر كليات التمريض لدراسة البورد العربي وعدم وجود ملاك تمريضي كافي لسد حاجة الممرض مع تجهيزات وامكانية مالية محدودة .

اما فيما يتعلق بما سأقدمه لهذه المهنة فهو النهوض بالمستوى العلمي والعملي لهذه المهنة الانسانية النبيلة والارتقاء بها الى اعلى المستويات العلمية ولكن في الوقت الحاضر قلة الملاك التمريضي والدعم المادي والمعنوي والكثير من المشاكل تحول دون تقديم العناية الصحية التامة.

الطالب منتظر رافد مهدي المرحلة الثالثة يقول:

اجد ان واقع التمريض في العراق مع الاسف الشديد يتعرض الى انتهاكات عديدة من عدة اطراف منها وزارة الصحة نفسها، وعدم وجود تخصص في التمريض الجامعي مما جعلهم قليلي الابتكار والابداع.

لان التخصص في مجال معين يجعل الانسان يصل الى درجة الابداع، من المشاكل والعوائق الكبيرة الاخرى هي التمريضيون انفسهم، لان الكثير منهم يقلل من قيمته مقارنة بالأطباء لعدم وجود الثقة بالنفس لكل ايام التعب والجهد الذي قضاه في مراحل الدراسة الاربعة فتراه يستسلم عند اول موقف صعب وبعدها يبحث عن الامور الادارية ويترك مهامه. من المهم انتخاب اشخاص اكفاء ذوي علمية وشخصية قوية وايصالهم الى مواقع مهمة في الوزارة وتشكيل هيئات خاصة للتمريض في وزارة الصحة تطالب بحقوقهم ويقودها التمريضيون انفسهم.

ونأمل بالمطالبة بالبورد العربي والتخصص الذي يهئ لخريجي البكالوريوس فرصة الدراسة السريرية والابداع في المهنة

 

الطالبة ضفاف عبد الكاظم

ان تأتي الى حيث لا تعلم، هكذا كانت البداية لكن ما تعلمته اصبح اساس العلم والمعرفة والتفاني والتضحية هكذا هو التمريض بشكل عام اما التمريض في بلدنا فهو لا يأخذ مجراه الحقيقي يبدوا كغيمة اصلها ابيض جميل نقي من حر الشمس وظاهرها مخيف لكن اتساءل الى متى سوف لا نرى نقاء تلك الغيمة وصفاءها.

عندما امارس مهنتي سوف اكون يد العون لإنقاذ ارواح المرضى وسأكون وسيلة من عند الله لحمايتهم وان تكون الحماية بكافة انواعها روحية وجسدية

الطالب احمد هادي مطلب/ المرحلة الرابعة يقول:

كل شخص ان اردت منه ان يقدم انجاز يتناسب والهدف المنشود فلا بد من توفر الظروف الملائمة  للقيام بهذا الدور، وان لم تتوفر هذه الظروف فلا يمكن الوصول للهدف المراد تحقيقه لنطبق هذا المفهوم على واقع التمريض في العراق: فلو اتينا الى الملاك التمريضي في العراق لوجدناه يعاني من نقص كبير في الملاكات وبالتالي يكون الضغط شديد في الملاكات المتوفرة  بالنظر لعدد المرضى، مما يؤثر على كفاءة الممرض في العمل هذا من جانب ، ومن جانب اخر فنرى النقص في الموارد الطبية في المستشفى من ادوية وغيرها كمواد التعقيم،  اضافة الى مشكلة الممرض نفسه فعدم وجود توصيف وظيفي خاص ليعرف كل شخص في المستشفى دورة الحقيقي، جعل من الممرض تاءه بين مستحقاته وبين ما يقدمه للمجتمع.

وان شاء الله سأبذل كل جهدي في تأدية واجبي ضمن المستطاع واسعى بشتى الطرق لتحسين الواقع التمريضي

(شعبة الاعلام) سلطت الضوء على اهم اراء المختصين والعاملين في مجال التمريض في العراق، لكن بين هذا وذاك بقي ان نقول ان مهنة التمريض في العراق تحتاج الى دعم كبير من خلال رسم سياسات استراتيجية لتطوير هذه المهنة الانسانية الراقية، كما يتطلب اعداد برامج تدريبية ودورات داخل العراق وخارجه كما تحتاج الى دعم نقابة التمريض وابراز دورها الحقيقي والمسؤول لخدمة مهنة التمريض وتطويرها كما يتطلب تطوير الملاكات التمريضية ودعمهم ماديا ومعنويا، ووضع قوانين خاصة لمزاولة العمل في مهنة التمريض ومنح تراخيص ووضع المعايير للعمل في القطاع الخاص وتأهيل وحدات نموذجية في المستشفيات لممارسة مهنة التمريض بشكل نموذجي وتكون مواقع تدريبية للملاكات التمريضية وطلبة التمريض وتوفير بيئة امنة نوعيا للعاملين في خدمات التمريض والقبالة وتحسين نوعية العناية التمريضية  من خلال التدريب والتعليم المستمر وعمل مسح شامل للملاكات التمريضية العاملة في العراق لاستحداث قاعدة معلومات واصدار تعليمات الى المؤسسات الصحية بعدم تشغيل الملاكات التمريضية بالاعمال غير التمريضية وزيادة الحوافز للملاكات التمريضية التي تعمل ضمن وجبات العمل المسائية