أبو بكر الرازي

اسمُه أبو بكر محمَّد بن زكريا الرَّازي، قيل عنه إنِّه جالينوس العَرب، أو طبيب العرب الأوَّل. وقد اختلف المؤرِّخون في تاريخ ميلاده ووفاته.

وُلد أبو بكر الرَّازي في الرِّي بفارس، وعُرفَ عنه حُبُّه للعلم والأدب والشِّعر والفلسفة والمنطِق والكيمياء. ولكن، تعود شهرةُ الرَّازي إلى كتابه الحاوي بشكلٍ رَئيسي، وقد تُرجِم هذا الكتابُ إلى اللاتينيَّة باكراً وتعرَّفت أوروبا إلى الطبِّ العربِي من خِلاله، وهو من أهمِّ ما كتب العربُ في الطبِّ القَديم. وللرازي كتابٌ آخر مشهور في الطبِّ، وهو الطبُّ المَنصوري الذي تُرجِم إلى اللاتينيَّة أيضاً، وساهم مُساهمةً كببيرة في شهرة الرَّازي في أوروبا في عصر نهضتِها. وتَميَّز الطبُّ المَنصوري في أنَّه كان أصغرَ حجماً من الحاوي، ممَّا ساعدَ على انتشاره في العالم الإسلامي.

لقد وُصفَ الرَّازي بأجمل الأوصاف في الأوساط العلميَّة على مدى قرون، فقيل عنه بأنَّه “طبيب العرب الأوَّل” و “أعظم الأطبَّاء الذين أنجبتهم الأُمم الإسلاميَّة” و “أحد أطبَّاء العُصور الوسطى” و “أحد أعظم الأطبَّاء في تاريخ البشريَّة”.

وللرازي مَقولاتٌ كَثيرة في الطبِّ تدلُّ على علمه ومعرفته وحنكته؛ فهو أوَّلُ من وصف الفرعَ الحنجري للعَصب الحنجري الرَّاجع، وقال عنه: “إنَّه يكون مزدوجاً في الجهة اليمنى أحياناً”.

وكانَ في الطبِّ والتَّداوي ينصح دائماً بالبَدء في استعمال الغذاء؛ فإذا لم يستفد منه المريض، يلجأ إلى الدَّواء. يقول الرازي: “إن استطاعَ الحكيم أن يعالِجَ بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السَّعادة”.

لقد حدَّدَ الرَّازي في تدبير المطعم الوقتَ المناسب للطعام فقال: “ينبغي أن يطعمَ الإنسانُ إذا نزل ثِقَلُ الطَّعام المتقدِّم، وخفَّت الناحيةُ السُّفلى من البَطن ولم يبقَ فيها تَمدُّد … وثارت الشَّهوةُ، وينبغي ألاَّ يدافعَ بالأكل إذا هاجت الشهوة، إلاَّ أن تكونَ شهوةً كاذبة كالتي تَهيج بالسُّكارى والمُتخَمين”. ثمَّ أضاف قائلاً: “وممَّا يسوء به الهضم ويفسد أن تؤكلَ أغذيةٌ مختلفة في وقتٍ واحد، وأن يُقدَّمَ الغذاءُ الأغلظ قبلَ الأرقِّ الألطف، أو أن يُكثِرَ الألوانَ ويَطول الأكلُ جداً حتَّى يسبقَ أوَّلَه آخِرُه بوقتٍ طويل”.

والرَّازي، كان أوَّل من وصفَ، بدقَّةٍ ووضوح، مرضَي الجدري والحصبة، وفرَّق بينهما، وكتب فيهما كتابَه الشَّهير (في الجدري والحصبة).

كما يقول الرَّازي: “واليرقانُ يدلُّ على سَددِ الكبد ضَرورةً … وإذا كان البولُ في اليرقان أحمرَ غليظاً، فاعلم أنَّ المُرَّةَ الصفراء لا تنصبُّ في الأمعاء، لكنَّها قد أخذت في طريق البول وتركت طريقَ البراز. ولذا، فإنَّ البراز يكون، في هذه الحال، أبيضَ وليس له لون”.

“وينشأ اليرقانُ عن سددٍ في مجاري المرَّة الصفراء، أو ازدياد في إفرازها، أو ضعف في القوَّة الجاذبة للصفراء، أو تسمُّم، أو لدغ الهوام السامَّة، أو ينشأ عن بعض الحُمَّيات”.

ونلاحِظ دقَّةَ أوصافِ الرَّازي للأعراض والأمراض، واسترسالَه في تبيان أسكالها وأسبابِها، ممَّا يدلُّ على سَعة علمه ومعرفته.

والرَّازي هو أوَّل من ميَّز بين السَّكتة الدماغيَّة والغيبوبة، وبين القولنج الكلوي والتهاب الزَّائدة الدوديَّة، وهو أوَّل من ذكر أن حدقَة العين تتسَّع في الظَّلام وتَضيق في الضَّوء، وهو أوَّل من استعملَ الأفيون كمنوِّم في العمليَّات التي تحتاج إلى التَّخدير، وادخل طريقةَ التَّبخير والاستنشاق في المعالجة.

يُقال: كانَ الطبُّ مَعدوماً فأوجده أَبُقراط، وكان ميِّتاً فأحياه جالينوس، وكان متفرِّقاً فجمعه الرَّازي، وكان ناقِصاً فأكمَله ابنُ سينا.

لقد تركَ الرَّازي خزانةَ كتبٍ غنيَّة، فقد ذُكر انَّه كان لا يوفِّر ساعةً من الزمن إلاَّ وهو منكبٌّ على العِلم والدَّرس والبحث. ويختلف المؤرِّخون والباحثو في عدد الكتب التي تركها من ورائه، فابنُ أبي أُصَيبِعة يذكر أنَّه ترك 238 كتاباً، بينما يشير ابنُ النَّديم إلى 140 كتاباً، والبيرونِي إلى 184 كتاباً، ويذكر آخرون عدداً آخرَ مختلفاً.

وقد قيلَ بأنَّ بصرَ الرَّازي قد ضعفَ كثيراً من كثرة قراءاته ومطالعاته، وربَّما بسبب بعض مؤلَّفاته العلميَّة التي أثَّرت تبعاتها فيه مثلما يذكر بعضُ المؤرِّخين، حيث يُقال أنَّه تعرَّضَ للضَّرب على رأسه بأمرٍ من الأمير منصور بن إسحَق بن أحمد السَّامانِي، وأُصيب بالسادِّ (تليُّف عدسة العين)، لخلافٍ حول طلب الأخير منه تطبيقَ كتابه “إثبات صِناعة الكيمياء” على الواقِع، فامتنع الرَّازي بسبب التكلفة المرتفعة لهذا التَّطبيق.

تُوفِّي الرَّازي في مَسقِط رأس بالرِّي على خلافٍ في سنة وفاته، بعد أن ناهزَ الثَّمانين من العمر، وقد عاصرَه علي بن عبَّاس الأهوازي وإسحقُ بن حنين ويحيى بن سرابيون.

ومن كتبه الحاوي والطبُّ المنصوري وكتاب من لا يحضره الطَّبيب وطبُّ الفقراء والمساكين والطبُّ الملوكي وغيرها كثير.