لم يرد ذكرُ مصطلح الأمراض الباطنية diseases internal، الذي يُقصَد به الأمراض التي تحدث في باطن الجسم، في المؤلَّفات الطبية العربية، بل أطلقَ أئمَّةُ الطبِّ العربي الإسلامي على هذه الأمراض تسميةً أخرى هي “الأمراض غير الظاهرة”. وهي الأمراضُ التي كانوا يستدلُّون عليها ويتقنون معرفتَها من علاماتها وأعراضها ومساقها ومُضاعفاتها.
والتعرُّفُ إلى الأمراض غير الظاهرة أو الداخلية ليس سهلاً كالتعرُّف إلى علل الجسم الظاهرة.
يستدعي تشخيصُ الأمراض الباطنية معرفةً طبِّية متميِّزة لوظائف كلِّ عضو من أعضاء الجسم؛ كما تتطلَّب معرفةً تامة بأشكالها، ومواضعها، وهيآتها، وتشريحها، ووظائفها، وأمزجتها، وجواهرها، ومشاركتها لوظائف الأعضاء والأجهزة الأخرى.
وقد ساهم الأطبَّاءُ العرب مساهمةً كبيرة في تقدُّم الطبِّ الباطني، فأضافوا على ما أخذوه عمَّن سبقهم، من يونانيين وفرس وهنود ومصريين وغيرهم، إضافاتٍ كثيرةً لم تُعرَف عند غيرهم.
فالرازي، مثلاً، كان أوَّلَ من وصف، بدقَّة ووضوح، مَرضَي الجدري والحصبة، وفرَّقَ بينهما، وكتب فيهما كتابَه الشهير (في الجدري والحصبة).
وابنُ سينا كان أوَّلَ من وصفَ التهاب السحايا الحاد، وفرَّقَ بينه وبين التهابات السحايا الأخرى. وهو أوَّلُ من وصف التهابَ غشاء الجنب وصفاً دقيقاً، وفرَّقَ بينه وبين التهاب الرئة وخُراج الكبد.
ويُعدُّ البَغداديُّ أوَّلَ طَبيبٍ عربِي تَنبَّه إلى مَرَض السكَّري diabetes mellitus، كأحد الأمراض الباطنيَّة، وشخَّص أعراضَه السَّريرية، ولخَّصها باسِترسال البول وذربه، والعطش الدَّائم الشَّديد بسب كثرة التبوُّل وانطراح الماء الذي يردُ إلى الكلية دون الاستفادة منه، يقول: “وتُسمَّى هذه العلَّةُ ديابيطا ومعناه عَبَّارة الماء …” والدَّيابيطا أو الدَّيابيطس كلمةٌ إغريقية أطلقها اليونان على داء السكَّري، كما يقول: “إنَّ هُزالَ البَدن وجفوفه من علامات هذا الدَّاء»؛ ثم يصف البغداديُّ معالجتَه التي تقوم على الحمية والتَّغذية المقنَّنة والراحة والهدوء النَّفسي.