لقد نظَّم الإسلامُ صناعةَ الطب، ووضعَ لها قواعدَ وقوانينَ ونظماً، وأوجبَ اتِّباعَها؛ فمَّما يُروَى عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أنَّه قال للشَّمردل المتطبِّب عندما سألَه عمَّا يحل عمله في الطب : {لا تُداوِ أحداً حتَّى تعرف داءَه} [ذكره ابنُ حجر العسقلاني في الإصابة]. وقال أيضاً: {من طبَّب ولم يُعلَم منه الطبُّ قبلَ ذلك فهو ضامِنٌ} [أخرجه أبو داوود، وأخرجه الحاكم وصحَّحه].
كما سنَّ القواعدَ والتعاليم الصحِّية، فجعل بعضَها فروضاً، وبعضَها واجبات، وبعضَها سنناً، وهي تعاليمُ تتعلَّق بحفظِ الصحَّة والوقاية من المرض:
– منها ما له صِلةٌ بالفرد وحدَه، كالنظافة والاغتسال وقواعد المأكل والمشرب.
– ومنها ماله صِلةٌ بالفرد والمجتمع، كالوقاية من الأوبئة وتجنُّب الأمراض السارية والاحتراس من المرضى المُعدِين. قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: {إذا كان الوباءُ بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منها، وإذا سمعتم به بأرض فلا تَقدُموا عليها} [أخرجه الإمامُ أحمد في مُسنَده].
وكان لهذه التعاليم أثرٌ كبير في إقبال المسلمين على طلب علم الطب، الذي كان يتقنُه أهلُ البلاد التي دخلوها، في بَدء فتوحاتهم، وهي مصرُ والشام والعراق. وازداد هذا الإقبالُ عندما عظمَ شأنُ العرب والمسلمين في عهد الأمويين، واتَّسعت رقعةُ بلادهم، واختلطوا بأقوام ذوي ثقافاتٍ طبِّية متقدِّمة، كالفرسِ والهنود والروم، فأخذوا منهم وترجموا نفائسَ تراثهم.