اطفال الأنابيب


أطفال الأنابيب مصطلح يشير إلى الأطفال الذين نتجت ولادتهم من إخصاب البيضة خارج رحم المرأة في مختبر. وهو مايسمى بالتلقيح في الأنبوب. ويتم الإخصاب في وعاء زجاجي عن طريق إخصاب بيضة المرأة داخل مختبر ثم زرع المضغة ـ وهي البيضة المخصبة ـ في رحم المرأة، وذلك من أجل إحداث حمل وولادة طبيعيين. وفي بعض الأحيان تجمد المضغة الناتجة من الإخصاب في الوعاء الزجاجي لزرعها مستقبلاً في الرحم.

والإخصاب في الوعاء الزجاجي طريقة تساعد النساء اللاتي يعانين صعوبة في الحمل، على الإنجاب. وهذه الطريقة يمكن أن تستعمل أيضاً لتجنب انتقال بعض الأمراض الوراثية.

والجدير بالذكر أن التلقيح لايحدث في أنبوب اختبار، ولكنه يتم داخل وعاء زجاجي يعرف باسم طبق بيتري. ولقد أوضحت البحوث أن حالات العقم تكثر في بعض الأقطار الصناعية، وقد يتأثر أحد أو كلا الزوجين به. ويمكن للأطباء معالجة حوالي الثلثين من الأزواج المصابين بالعقم وذلك عن طريق العقاقير أو الجراحة.

ويمكن مساعدة البعض من المجموعة الباقية عن طريق إخصاب البيضة في الوعاء الزجاجي مع إعطاء العلاج المناسب.

التقنيات. تجرى عدة خطوات للحصول على طفل أنبوب الاختبار. تأخذ المرأة عقاقير خاصة لتنشيط عملية الإباضة (خروج البيوض). تعطى العقاقير من أجل الحصول على أكثر من بيضة وذلك لكي تكثر الفرص لتلقيح ناجح. ويتم إجراء الفحوص المخبرية عن طريق اختبارات الدم لكي يتم تحديد أنسب وقت لأخذ البيوض.

وعندما يكتمل نمو البيوض، يجري الجراح عملية للحصول عليها. وقد يستخدم الجراح منظار جوف البطن وهو نوع من المقاريب، وذلك لتحديد موقع البيوض. ويتم تخدير المرأة بمبنج عام، ثم يتم إجراء قطع صغير تحت السُّرَّة لإحداث فتحة مناسبة تسمح للطبيب بوضع منظار جوف البطن في الموقع المحدد. وعندما يتم تحديد مكان البيوض يستعمل الجراح إبرة خاصة لسحبها.

ويمكن أن يستعمل بعض الوسائل الأخرى لجمع البيوض. وهذه الوسائل تضم الموجات فوق الصوتية وهي نوع من الموجات الصوتية، تستعمل لتحديد موقع ومعرفة البيوض. ومع هذه الطريقة يحتاج فقط إلى استخدام مبنج موضعي، ولا تكون هنالك حاجة إلى إجراء قطع بجدار البطن. وبدلاً عن ذلك يتم إدخال مسبار فوق صوتي من خلال المثانة أو المهبل ومن ثم تجمع البيوض. وباستعمال الموجات فوق الصوتية يرى الجراح صورة المبايض (الأعضاء التي تفرز البيوض)، على شاشة وليس بوساطة مقْراب.

والمرحلة الثالثة من إخصاب البيضة في وعاء زجاجي يشتمل على إخصاب البيضة وتنميتها في المختبر. فبعد سحب البيوض من المرأة، تنقل مباشرة للمختبر، حيث توضع في سائل خاص لمدة ست ساعات. ويمد زوج المرأة المختبر بعينة من نطافه (حيواناته المنوية)، ويجب أن يكون ذلك بعد أربع ساعات من جمع البيوض. وتعالج النطاف بطريقة خاصة وذلك بغسلها، وتزال عنها الأشكال المشوهة، ومن ثم تحضينها. وبعد ذلك توضع مع البيوض، لمدة تقدر بحوالي 18 ساعة. وبعد هذه الخطوات تفحص البيوض مرة أخرى للتحقق من تمام عملية الإخصاب. ثم يعاد إلى المستنبت لمدة 24 ساعة أخرى.

وبعد الانتهاء من خطوات الإخصاب، تنقل البيضة المخصبة النامية أو المضغة إلى رحم المرأة، حيث يمرر الطبيب أنبوباً رفيعًا جدًا إلى داخل الرحم وذلك من خلال عنق الرحم. وهذا الأنبوب يحتوي على المضغة التي توضع برفق داخل الرحم. ولا توجد ضرورة لاستعمال مبنج في هذه العملية التي لايحدث خلالها ألم يذكر.

ولتقليل فرصة حدوث حمل متعدد يتم إرجاع بيوض قليلة العدد إلى الرحم. والحد الأقصى الموصى به هو ثلاث بيوض. وإذا كان هناك فائض من بيوض تلقح ثم تحفظ في درجات حرارة تحت الصفر المئوي ـ بعملية تسمى الحفظ القرِّي أو التجميد وذلك لاستعمالها في مناسبة أخرى. ويمكن استعمال هذه البيوض التي سبق حفظها بطريقة الحفظ القريَّ وذلك بعد تحضيرها مرة أخرى بطريقة التجميد والتدفئة التي استعملت لأول مرة في أستراليا عام 1984م.

والإخصاب في الوعاء الزجاجي يثير كثيراً من الجدل من عدة زوايا. فهو مقرون بمخاطر لا يستهان بها، بما فيها الإجهاض والحمل المُنتبذ عندما تنمو البيضة خارج الرحم والإمْلاَص. وهناك أيضًا احتمالات لحدوث حمل متعدد كما يوجد احتمال لحدوث مضاعفات خطيرة.

ونسبة النجاح في عملية الإخصاب في الوعاء الزجاجي تقدر بما يتراوح بين 10 و 20 %، حسب تقارير المراكز الطبية التي تقوم بها. لكن عدد الأزواج الذين يحصلون على أطفال أحياء في النهاية قليل جداً، إذ ينجح فقط ما بين 3 إلى 5% من الحالات التي يتم إجراؤها.

نبذة تاريخية
أجريت المحاولة الأولى لتخصيب بيوض الثدييات في المختبر في نهاية القرن التاسع عشر. وبحلول منتصف القرن العشرين كان قد تم تخصيب بيوض الحيوان بنجاح في المختبر. وفي سنة 1971م نشر طبيبان بريطانيان هما روبرت إدواردز وباتريك ستبتو دراسة عن أول كيسة أريمية مرحلة قبل المضغة تمت رؤيتها بعد الإخصاب وذلك في طبق زجاج. وبعد سبع سنوات، وللمرة الأولى في التاريخ، نجح إدواردز وستبتو في إكمال ولادة أول طفلة أنابيب في العالم هي لويس براون، وذلك في مدينة أولدهام بإنجلترا سنة 1978م. أما بالنسبة لأستراليا، فإن أول طفلة أنابيب هي كانديس ريد التي ولدت في مستشفى ملبورن الملكي في عام 1980م.

وفي سنة 1986م، ولد طفلان في مدينة أديليد من بيوض مجمدة. وكانت أم الطفلين تعاني التهابًا شديدًا في قناة فالوب. وقد أضر الالتهاب بالبوقين اللذين تمر من خلالهما البيوض من المبيض إلى الرحم مما سبب للأم حالة العقم. وقد جمعت ثلاث بيوض من المرأة ثم تم تجميدها، وبعد ذلك تدفئتها وإخصابها ومن ثم غرسها في الرحم. وقد عاشت بيضتان من البيوض المخصبة واستمر الحمل بدون طارئ.

وقد استمرت المعارضة من الناحية الخلقية بشأن تجميد المضغة إذ أن بعض المضغات ماتت خلال العملية. ويعتقد كثير من الناس أن البيضة المخصبة هي بداية الحياة. كما أن استعمال البيوض المخصبة بديلاً للمضغات المجمدة قد حل بعض التساؤلات المتعلقة بأخلاق المهنة والتي تخص برنامج أطفال الأنابيب.

طفل الأنابيب في ميزان الشرع الإسلامي. لم تظهر مشكلة التلقيح الصناعي أو طفل الأنابيب في العالم الإسلامي بنفس الحدة التي ظهرت بها في الغرب، إذ أن الشريعة الإسلامية تسمح للرجل بالزواج بأربع، ولكن بعد الضجة الإعلاميّة التي صاحَبَتْ تلك الظاهرة، وظهور حالات فردية في بعض البلاد الإسلامية اهتمت المحافل العلمية الإسلامية بالظاهرة وكتبت حولها بحوثًا شرعية، وكانت موضع عناية عدد من المجامع الفقهية التي استعرضت الظاهرة في أبعادها المختلفة. واستكشفت الدوافع لطلبها والأساليب المختلفة التي تجرى بها.

وقد أكد فقهاء المسلمين على تقدير حاجة الزوجين إلى الولد وأنها غرض مشروع يمكن أن يلبى بالطريقة المباحة من طريقة التلقيح الاصطناعي. وتبين للفقهاء أن هناك سبع طرق لكل منها حكم شرعي معين من حيث الإباحة والمنع نذكرها فيما يلي.

أولا – أن تؤخذ نطفة رجل متزوج وتحقن في الموضع المناسب من رحم زوجته، فيتم التلقيح والعلوق في جدار الرحم بإذن الله. وهذا أسلوب جائز شرعًا إذا ثبتت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل.

ثانيًا – أن تؤخذ نطفة من زوج وبيضة من مبيض زوجته وتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بيضة زوجته في وعاء الاختبار، ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر، تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البيضة لتعلق في جداره وتنمو وتتخلق ككل جنين، ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعية تلده الزوجة طفلاً أو طفلة. وهذا هو طفل الأنبوب الذي حققه الإنجاز العلمي الذي يسره الله. وولد به إلى اليوم عدد من الأولاد ما بين ذكر وأنثى. وهو أسلوب مقبول مبدئيًا في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تمامًا من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات، فينبغي ألا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى.

وفي هاتين الحالتين يثبت نسب المولود من الزوجين مصدري البذرتين، ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب، فحين يثبت نسب المولود من الرجل والمرأة يثبت الإرث وغيره من الأحكام بين الولد ومن التحق نسبه به.

ثالثًا – أن تؤخذ النطفة والبيضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تُزْرَعُ اللقيحة في رحم زوجة أخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم. وقد أجاز أحد المجامع الفقهية هذا الأسلوب عند الحاجة. لكن بعض الملاحظات أثيرت على هذا الأسلوب، منها أن الزوجة الأخرى التي زرعت فيها لقيحة من بيضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها، كما لا تعلم أم ولد اللقيحة هل هي التي أخذت منها البيضة أم ولد من معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين ولا تسقط إلا مع ولادة الآخر الذي لا يعلم أيضًا أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة الزوج، ويوجب من اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وأن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة.

رابعًا – أن تؤخذ نطفة من رجل وتحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا ثم العلوق في الرحم، ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيمًا لا بذرة في مائه فيأخذون النطفة الذكرية من غيره.

خامسًا – أن يجرى تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج وبيضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته (يسمونها متبرعة)، ثم تُزْرَعُ اللقيحة في رحم زوجته، ويتم اللجوء إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلاً أو معطلاً، لكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة.

سادسًا – أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة رجل وبيضة من امرأة ليست زوجة له (يسمونهما متبرعين) ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضًا عقيم ويريدان ولدًا.

سابعًا – أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.

وهذه الأساليب الأربعة الأخيرة من أساليب التلقيح الصناعي جميعها محرمة في الشرع الإسلامي ولا مجال لإباحة شيء منها؛ لأن البذرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين.

ونظرًا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصور الجائزة شرعًا ومن احتمال اختلاط النطف أو اللقائح في أوعية الاختبار ولا سيما إذا كثرت ممارسته وشاعت، ينصح الفقهاء ألايلجأ المسلم الحريص على دينه إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى وبمنتهى الاحتياط والحذر.