– العمل هو الوسيلة لبناء مستقبل الشباب
– اهم اسباب الظاهرة فشل برامج التنمية الحكومية سواء الاقتصادية او البشرية او المستدامة
تحقيق/ وسن البلداوي
تشكل ظاهرة البطالة والعوز المادي ظاهرة من المظاهر والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية تؤدي الى الضرر في طبقات المجتمع المختلفة، ولقد اكدت العديد من المصادر الدولية والإحصاءات ان نسب هذا الفيروس القاتل (البطالة والعوز المادي) اخذ يتزايد مع مرور الزمن وبين كافة طبقات المجتمع، وشبه البعض هذه الظاهرة بالفيروس الذي ينخر في صميم شريحة الشباب واللذين يشكلون العمود الفقري للمجتمع والدولة.
وتعد البطالة والعوز المادي من اهم المؤثرات النفسية الكبيرة والتي تؤثر على نفسية العاطل عن العمل وعلى اسرته وحتى مجتمعه المحيط، فالانحراف الاجتماعي يكمن في سوء الحالة الاقتصادية التي تعود إلى العوز المادي والبطالة، وان من اهم حقوق الشاب هي حصولهم على عمل يستطيعوا من خلاله ان يعيشوا عيشة راضية و كريمة تحقق له الاكتفاء الذاتي لهم ولأسرهم فبدون العمل يصل الشاب الى حالة من الياس الشديد قد تصل به الى مطاف لا يحمد عقباها ومنها الانحراف.
من هذا المنطلق (شعبة اعلام كلية التمريض) تسلط الضوء على ظاهرة البطالة والعوز المادي الذي يصيب الشباب وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي والنفسي على هذه الفئة التي تعتبر العمود الفقري لأي بلد، فكانت لنا وقفة مع شرائح مختلفة من طبقات المجتمع وذوي الاختصاص.
العمل هو الوسيلة لبناء مستقبل الشباب
الممرض الجامعي طاهر محسن هاشم/ كلية التمريض/ جامعة كربلاء
ان الحياة عبارة عن اولويات ومهام متعددة يعتمد عليها كل فرد في المجتمع وخصوصا الفئة الشابة التي يترتب عليها بناء نفسه عن طريق تكوين اسرة وبناء المجتمع بعدها، وهذه الاولويات لا تتم الا بوجود وسيلة تسيرها وتقودها الى الكمال، وهي العمل والمال الذي يأتي عن طريق العمل الشريف الحر او من خلال الوظيفة بحيث يقع على عاتقها مساعدته في تلبية تلك الحاجات والاولويات وفي حالة انعدام العمل يؤدي ذلك الى تدهور الحالة المادية فيتسبب بلجوء الفرد الى اساليب غير قانونية لتوفير المال لسد حاجياته اليومية والمعيشية له ولعائلته كالسرقة والسطو والاختلاس والنصب والاحتيال او قد يتبع نظائرها من تلك الافعال مثل احتساء الخمر والادمان والقتل وبالتالي تدهور الحالة الاجتماعية في حالة تزايد هذه الحالات التي سببها البطالة والعوز المادي مما يؤثر على البلد بشكل عام.
وشاطره الراي زميله الممرض الجامعي قاسم كاظم عاشور في ان هذه الظاهرة تؤثر على ظهور الكثير من الحالات الاجرامية في المجتمع وتؤدي الى المشاكل النفسية بين فئة الشباب ومنها الكآبة وتعاطي المخدرات، وهنا يأتي دور الدولة والقطاع الخاص في تلبية حاجات هذه الشريحة المهمة من المجتمع وفسح المجال لها من اجل ان تكون يد للأعمار وليست للهدم.
عزوف الشباب عن الزواج
من جهتها بينت السيدة وفاء عباس مكي مدير شعبة الرقابة والتدقيق في كلية التمريض بجامعة كربلاء:
ان عدم توفير فرص العمل والعوز المادي لدى الشباب وبحكم الاوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها بلدنا وغلاء المعيشة وعدم توفير السكن لهم تدفع الشباب الى العزوف عن الزواج وتجعلهم يتجهون الى الهجرة والتسول والادمان على المخدرات و الاعمال الاجرامية في سبيل الحصول على الاموال حتى لو كانت بطرق غير مشروعة.
الانسة ندى وحيد جبار تقول: هذه الظاهرة تؤثر على فئة الشباب فتجعلهم يتجهون الى المقاهي والملاهي بسبب الفراغ الحاصل، اضافة الى موضوع الهجرة الى خارج البلد وخسارة البلد الى كفاءات وطاقات شبابية يافعة من المفترض ان تكون هي الطاقات البناءة لهذا الوطن الجريح، وبسبب الجهل المسيطر على بعض الفئات في المجتمع فقد تجعل هذه الظاهرة اداة تؤثر على بعض الشباب فتجعلهم يتجهون الى الجريمة والقتل من اجل الحصول على الاموال اللازمة لهم ولحياة اسرهم.
فشل برامج التنمية الحكومية سواء الاقتصادية او البشرية او المستدامة
الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية واستاذ النظم السياسية في جامعة كربلاء يقول:
عندما نتكلم عن وجود العوز الاقتصادي وكثرة البطالة في بلد غني بثرواته الطبيعية والجغرافية وتنوعها كالعراق، فلاشك ان السبب الرئيس يكمن بفشل برامج التنمية الحكومية سواء الاقتصادية او البشرية او المستدامة، فاستمرار ظاهرة الفشل الحكومي في العراق منذ عقود يثير السخرية والحنق ويكشف عن قصور كبير في التفكير الحكومي وخلل واضح في كفاءة القائمين على البرامج الحكومية، يضاف الى ذلك ويتأسس عليه هو انعدام وجود البيئة الاستثمارية الجيدة في العراق ادى الى اعاقة نمو الاستثمار بشقيه الوطني والاجنبي مما ترتب عليه غياب شبه كامل للقطاع الخاص في تحقيق برامج التنمية مع عجز القطاع العام عن تنويع موارده وتنمية مؤسساته، ومع وجود الحروب العبثية والارهاب الاعمى والتدخل الخارجي السيئ، كل ذلك انتج خزينة حكومية خاوية ومؤسسات حكومية عاجزة عن استيعاب حاجات المجتمع الاستهلاكية والانتاجية فضلا عن العجز في مواكبة الهبة الديموغرافية العالية لشعب معظم سكانه من الشباب.. كل هذه الاسباب وغيرها اوجدت العوز المادي الكبير والبطالة العالية جدا في العراق اما نتائج ذلك في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه فهي نتائج كارثية لا يمكن تحملها، ومن ابرز مظاهرها انتشار الجريمة والعنف بكافة اشكالها وتنامي التطرف والارهاب وتفسخ البنيان الاجتماعي من خلال تفسخ الاسرة العراقية الطبيعية واتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء وانتشار الامية والجهل وشيوع ظاهرة هجرة العقول وهجرة الشباب وتخلف الدولة العام عن اللحاق بركب العالم المتقدم، والراي عندي حول الموضوع عموما انه نتاج الحمقى والجهلة ممن امسكوا بزمام المسؤولية في العراق ولا يمكن تجاوز هذا الوضع طالما بقي الحمقى والجهلة يقودون في هذا البلد، فنحن في عالم جديد لا يرحم الضعفاء ولا يغفر للجهلة.
اهم اسباب البطالة عدم تكافؤ الفرص والتفرقة بين الناس في الحقوق والواجبات
الاعلامي نهاد عبد الحميد يقول: يعتبر الفقر آفة في جسد العالم، ومرض خبيث يصل الى حد القتل لذا قال الامام علي عليه السلام (لو كان الفقر رجلا لقتلته) ان الفقر يفتك ويضرب ويشرد، فهو الطريق الى كل المظاهر السلبية التي تصيب المجتمعات ومنها البطالة، واهم اسباب البطالة عدم تكافؤ الفرص والتفرقة بين الناس في الحقوق والواجبات.
وتؤدي هذه الظاهرة الى التدهور الذي لا يمس شخص بحد ذاته فحسب بل بلد بأكمله بسبب السياسات الخاطئة التي تعود سلبا على حياة الفرد والمجتمع وهذا ما يحدث في اغلب البلدان النامية، وان اثار البطالة على الشباب كبيرة اذ انهم سيحرمون من التعليم وفرص العمل الجيدة وبالتالي يقودهم ذلك الى اعمال بسيطة لا تكفي لسد حاجاتهم الاساسية وحرمانهم من ابسط مقومات الحياة الكريمة ومنها السكن والزواج وتكوين اسرة، وللحد من هذه الظاهرة فهناك حلول كثيرة منها فتح مشاريع صغيرة تدعم الشباب ماديا وخصوصا وان بلدنا ينعم بخيرات كبيرة واراضي زراعية واسعة ونهرين خالدين اذ تؤكد الدراسات ان العراق هو رغيف خبز لكل العالم لما يتمتع به من الخيرات.
التأثير النفسي لظاهرة البطالة والعوز المادي
تحدث لنا الدكتور عامر الحيدري طبيب اختصاص في الامراض النفسية/ كلية الطب / جامعة كربلاء قائلا:
مشكلة البطالة من أخطر المشكلات التي يعاني منها الشباب في هذا الوقت وينتج عن البطالة ازمات كثيرة ومشاكل جمة، ويقصد بالبطالة عدم توافر فرص عمل للشخص القادر على العمل ويقصد من ذلك المفهوم ان الشخص لديه مقدرة صحية جسمية وعقلية وهو يبحث عن فرصة عمل مناسبة له، ولكنه لم يحصل عليها ولذلك هو يعرف ذلك الشخص بالعاطل عن العمل.
واضاف هنالك عدة اسباب وراء البطالة اولا: الاسباب الاقتصادية ومنها الاعتماد على الوسائل الحديثة بشكل كبير وقلة الاعتماد على الايدي العاملة، وعدم توافر راس المال لدى اصحاب النفوذ من اجل القيام بمشاريع توظيف الشباب وتلكؤ عملية النمو الاقتصادي واعتماد الدولة على الاستيراد وعدم السعي نحو انشاء مصانع لتشغيل العمالة المتوافرة لديها، أما الاسباب الاجتماعية فتشمل زيادة عدد السكان وتخريج دفعات هائلة من الجامعات اللذين يبحثون عن تعيين مركزي لهم دون جدوى وانخفاض جودة التعليم في المدارس، وتخريج دفعات غير قادرة على مواجهة سوق العمل وينتج عن البطالة عدد كبير من الاثار النفسية ومنها رغبة الشخص العاطل في العزلة عن الاخرين وشعور العاطل بخيبة الامل، ويصبح عرضة للإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق وانتشار الجرائم كالسرقة فهناك عدد لا باس به من العاطلين عن العمل، تسوء بهم الاحوال فيضطروا للانحراف عن السلوكيات السليمة في سبيل توفير احتياجاتهم من مأكل ومشرب وملبس، وتأخر سن الزواج وزيادة نسبة العنوسة وقد تسبب البطالة بتعاطي بعض العاطلين عن العمل للمخدرات لاعتقادهم بانها ستنسيهم مشاكلهم وهمومهم لذلك فهي بحاجة الى وقفة طويلة للتمعن بها ولجهود حثيثة من قبل المسؤولين.
وتبقى هذه المشكلة التي تواجه شبابنا اليوم لاتزال قائمة وبانتظار الحلول عساها تحل، خاصة وان بلدنا يمر بهذا الظرف الذي من الصعب ايجاد حلول جذرية لأغلب المشاكل والظواهر التي طرأت على المجتمع، ويبقى القول ان الشباب هم اليوم والغد الجميل وهذا لا يأتي الا من خلال توفير فرص العيش الكريمة لهم سواء للمتعلمين اصحاب الشهادات والاميين على حد سواء، فالأمي يحتاج الى بناء ثقة له في تعزيز مقدرته على العمل، وضرورة اهتمام الدولة ودعمهم للشرائح العاطلة عن العمل ودور منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام كافة في توعية هذه الشريحة وتشجيع الدولة على توفير فرص العمل في مختلف المجالات.