إن المجتمعات العريقة والأمم الأصيلة لا تقف عند ما حققته من تقدّم حضاري في كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل إنها تسعى لتحقيق ما هو أفضل وأقوم وهذا الفكر بحد ذاته هو ثورة بنائية مستمرّة تنمي في دواخل الشعوب مسؤولية الحركة وحافز النهوض بواقعهم مهما وصل إليه من سمو وتقدّم لكنها تبقى بحاجة إلى هذه الطاقة التي تولّد الحركة والنهوض والتقدّم,وهذه الطاقة هي الشباب.
إن الشباب هي المرحلة العمرية التي يصل بها الإنسان إلى ذروة الخصوبة والنماء والعطاء , وهي ربيع العمر ومرحلة الانفتاح على الحياة والمستقبل وتحدّي المخاطر والصعوبات, وهي بكل ما تتصف به من حيوية وعنفوان وقوّة, تحمل بين طيّاتها جانبين هما:جانباً سلبياً, وهو جانب الضياع والقلق الفكري والنفسي وسيطرة روح المراهقة ,مما يعطي الفرصة لبعض الجهات في التخطيط للاستيلاء على هذه القوة واستغلالها استغلالاً أبعد ما يكون عن المصلحة العامة.
وجانباً آخر هو جانب القوة والحيوية وطاقة الإبداع والعطاء والتفتح والتفاعل مع مشاكل وظروف العصر المتقلبة.
والطلبة بوصفهم الجيل الجديد , الجيل الواعي الذي يرتكز على الأسس الأخلاقية والعلمية والثقافية, ولكي يكون الطالب مثقفاً عليه أن يكون منتجاً للأفكار ومؤسساً لرؤى وتصوّرات المفكّر والفنان والشاعر والمخرج والقاص والسياسي الجاد,والناقد والباحث والصحفي , وكل طالب يحمل رؤية هو طالب مثقّف, شريطة أن لا تصطدم بثوابت الدين الحنيف ولا تنطوي على نزعة عدوانية بل تحمل فكراً إنسانيّاً بحتاً قادراً على التوافق والانسجام مع الجميع وقادراً على البناء والانطلاق والحركة الهادفة.
إن مسؤولية التجديد والتغير الاجتماعي تقع على عاتق الطلبة, لأن الطالب هو الأكثر تأثراً وتأثيراً من الناحية السلوكية والفكرية برفاقه وأصحابه وأصدقائه ولا يشدّه إلى عائلته وأعرافه وسلطة بلاده السياسية إلا خيوط واهنة وضعيفة ,فهو ينظر على واقعه والقيم المألوفة من حوله وما اعتاد الناس على توقيره وتقديسه نظرة هي أقرب إلى فكرة المحقق والباحث عن الحقيقة, متطلّعاً إلى الأفكار الجديدة والطروحات المقنعة, متحرّيا بعقله حتى ترسو قناعته على بعضها ونبذ ما عداها .لكنه عندما يختار وينبذ سوف يجنّد كل أحاسيسه ومشاعره وعواطفه للدفاع عمّا اختاره من قيم وأفكار ولا يغالي بالاستماتة من أجلها ,لأنها تعيش في خضمّ نضجه الجسمي والعاطفي وبدايات انفتاحه العقلي على العالم الخارجي.
وبهذا فأن الطالب بحيويته ونشاطه الفاعلين قادراً على تحقيق أصعب الطموحات وأبعدها منالا ًوتكوين الاتجاهات المصيرية له وللآخرين.يقول ملك فرنسا(لويس فيليب) الّذي قست عليه صحافة عصره فأفرطت ,فنصحه بعض مستشاريه بتعطيلها وتحطيم أقلام رجالها فأجابه بكل رزانة: (( أفضّل ألف مرّة وطن بلا عرش على وطنٌ بلا فكر)).
فنحن الطلبة فكر الأمم ونهجها ومع كل ما عانيناه ونعانيه لامناص لنا من المضي قدماً في أداء رسالتنا,لأنها أقوى من الخوف أقوى من الإغراء أقوى من الترهيب والترغيب أقوى منّا.
من رام وصلْ الشمس حاك خيوطها سبـباً إلى آماله وتعلّقا
م.م. مصطفى كريم مشتت