مراجعة لنتائج الدراسات العلمية حول تأثيرات التلوث البيئي على صحة الإنسان

تُعرف البيئة بأنها الوسط الذي يعيش فيه البشر والكائنات الحية الأخرى، ويُعد تلوث البيئة بجميع أشكاله خطراً يتهدد جميع هذه الكائنات. نستعرض فيما يلي بعض أهم الدراسات التي نُشرت في الأعوام القليلة الماضية حول الآثار السلبية للتلوث البيئي على صحة الإنسان.

أولاً- الجهاز القلبي الوعائي:

خلُصت عشرات الدراسات العلمية إلى أن التلوّث البيئي يرتبط مع زيادة في معدلات الإصابة بالأمراض القلبية والوعائية الخطيرة، وخاصّةً السكتات الدماغية والنوبات القلبية واضطرابات نظم القلب.

ففي دراسة أوربية أجراها فريق الباحثة غيوليا سيزاروني رئيسة دائرة لاتسيو للخدمات الصحيَّة الإقليميَّة في روما في العام 2014، وشملت أكثر من مئة ألف شخص، توصل الباحثون إلى أنَّ التعرض المزمن للهواء الملوث ترافق مع زيادة بنسبة 13 في المائة في خطر الحوادث التاجيَّة.

في حين خلُصت دراسة أمريكية أجراها فريق الدكتور كينت ميريديث، اختصاصي أمراض القلب والأوعية الدموية بمركز إنترماونتين الطبي في العام 2014 إلى أن التعرض المؤقت للغبار في الجو يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية في الأيام التي يرتفع فيها مستوى الغبار في الجو (وبالتحديد، عندما يزيد مستوى الغبار عن 25 ميكروغرام من الجزيئات الدقيقة في كل متر مكعب من الهواء).

وفي دراسة أخرى أُجريت في جامعة كاليفورنيا في العام 2016، وجد الباحثون بأن التعرُّضَ على المدى الطويل إلى تلوُّث الهواء بغاز الأوزون، أو ما يُسمَّى بالضباب الدُّخاني smog، قد يزيدُ من خطر الوفاة بسبب مرض القلب والرئة.

وفي دراسة أمريكية صينية أجراها فريق الدكتور لونجان لو الأستاذ بجامعة دريكسل الأمريكية في العام 2015 أن معدَّلاتُ انتشار السكتةالدماغية تزداد بشكلٍ ملحوظ في المدن ذات الجودة الأسوأ للهواء، بالمقارنة مع المدن ذات الجودة الأفضل للهواء، وأن هذه الفروقُ واضحةً جداً في فصلي الشتاء والصيف بشكلٍ خاص؛ حيث تكون مقاديرُ تلوُّث الهواء أكبرَ فيهما من فصلي الربيع والخريف، كما تكون الوفياتُ الناجمة عن السكتة أعلى بكثير في الشتاء.

وفي دراسة أمريكية أجراها فريق الدكتور مايان يتشاك في العام 2016، وجد الباحثون ارتباطاً واضحاً بين التعرض للهواء الملوّث وحدوث تبدلات غير محمودة في مستويات الكولسترول في الدم. وهو ما يُشير إلى أن التعرض التراكمي للهواء الملوث عبر حياة الفرد يؤدي إلى زيادة خطر إصابته بالأمراض القلبية الوعائية.

وفي  دِراسةٌ أمريكية  أجراها فريق الدكتور جوناثان نيومان، اختصاصي أمراض القلب بمركز لانغون الطبي بجامعة نيويورك في العام 2015، وجد الباحثون أنَّ تلوُّثَ الهواء يرتبط مع زيادة في خطر الإصابة بتضيُّق الشَّرايين السُّباتيَّة في العُنق، ممَّا يزيد بدورهِ من خطر السَّكتة الدماغية، وأنَّ تلوُّثَ الهواء هو من عوامل الخطر المهمَّة للإصابة بأمراض القلب والأوعية؛ فهي تُظهِرُ أنَّ خطرَ تلك الأمراض لا يترافق مع جينات الإنسان وسلوكه الصحِّي وأسلوب الحياة الذي اختاره فقط، بل يعتمد إلى درجة ما على العالم الذي يعيش فيه والهواء الذي يتنفَّسه.

وفي دراسة أجراها فريق البروفسور غريغوري ويلنيوس، الأستاذ  بجامعة برون أنَّ كِبارَ السنّ، الذين تعرَّضوا إلى مُستوياتٍ مُرتفعة من هباب الفحم، أي الجُزيئات الصغيرة التي نجدها في الهواء المُلوَّث بسبب حركة السير أو المرور، قد تكون لديهم مستوياتٌ زائدة من هرمون الليبتين المُرتبط مع البدانة والسكَّري وأمراض القلب، وهو ما قد يُساعد على تفسير الارتباط بين تلوُّث الهواء بسبب حركة المرور وخطر أمراض القلب.

ثانياً- الجهاز التنفسي والجهاز البولي:

توصلت العديد من الدراسات العلمية إلى أن تلوّث الهواء يزيد من الحساسية التنفسية ويرفع من معدل الإصابة بنوبات الربو ويخلق العديد من التعقيدات لمرضى زراعة الرئة.

ففي دراسةٍ أجراها فريق الدكتور أولريش بوشل، من معهد ماكس بلانك في ألمانيا، توصل الباحثون إلى أن الضباب الدخاني وغبار الطلع يزيدان من معدلات الإصابة بالحساسية التنفسية، وهو ما قد يُفسر سبب شيوع انتشار هذه الحالات مؤخراً.

كما توصل فريق الدكتور نيكولاس نيومان اختصاصي طب الأطفال بمستشفى سينسيناتي بالولايات المتحدة في العام 2014 إلى أن المُستويات المرتفعة من تلوُّث الهواءالنَّاجِم عن حركة المُرور، تزيد بشكلٍ كبيرٍ من خطر إصابة الأطفال بنوبات الربو الشديدة التي تستلزم دخولهم المستشفى.

وفي دراسةٍ أجراها فريق الدكتورة هسيو ماثيلدا تشيو، الأستاذة بجامعة إكاهن الطبية بنيويورك في العام 2014، توصل الباحثون إلى أن الأطفال الصِّغارَ الذين ولدتهم أمَّهاتٌ تعرَّضنَ إلى تلوُّث هوائي في الثُّلث الثاني من الحمل، يُواجِهون زيادةً في خطر الإصابة بالرَّبُو في وقت مُبكِّر من الطُّفولة، وحذَّر الباحِثون من أنَّ تلوُّثَ الهواء يرتبط مع أخطار صحيَّة جسيمة.

وفي الدراسة التي أجراها فريق الدكتورة إيمي بادولا من جامعة كاليفورنيا الأمريكية في العام 2012، توصل الباحثون إلى أنَّ تعرض الأمهات الحوامل لتلوث الهواء قد يضر بتطور وظيفة الرئتين عند الجنين، ويزيد من احتمال إصابتهم بالربو في مراحل لاحقة من حياتهم.

وفي دراسة أجراها فريق الدكتور ديفيد روتينس، اختصاصيّ طبّ الجهاز التنفُّسي بجامِعة لوفين البلجيكية، توصل الباحثون إلى أن العيشَ بالقُرب من الطرقات المُزدحِمة، ذات المُستويات المُرتفِعة من التلوُّث، يزيد من خطر رفض البدن للرِّئة المزروعة والوفاة عند مرضى زِراعة الرَّئة، وأن التعرُّضُ إلى تلوُّث الهواء، سواءٌ على المدى القصير أم الطويل، يرتبط بزِيادةٍ في حالات الوفاة بسبب الأمراض التنفُّسية، خصوصاً عند الشرائح البشريَّة التي لديها استعداد، مثل مرضى زِراعة الرِّئة الذين أصاب الضَّعفُ أجهزتهم المناعيَّة بسبب تناولهم للأدوية الكابِحة للمناعة.

أما على صعيد صحة الجهاز البولي، فقد توصّل باحثون من جامعة ميشيغان الأمريكية إلى أن تلوُّثَ الهواء يرتبطُ مع زِيادة في مُعدَّلات الإصابة بمرض الكلى المُزمِن، حيث وجدوا بأن مرضَ الكُلى كان أكثرَ انتِشاراً في المناطق ذات النَّوعية السيِّئة من الهواء في الوِلايات المُتَّحِدة الأمريكية.

ثالثاً- الصحة العقلية والنفسية:

أشارت العديد من الدراسات إلى أن تلوّث الهواء يرتبط مع حدوث مشاكل عقلية عند المُسنّين، مثل الخرف، وحدوث مشاكل سلوكية عند الأطفال مثل التوحد وفرط النشاط وقلة الانتباه.

فقد توصلت دراسة أمريكية أجراها فريق البروفيسور جينيفر أيلشاير، الأستاذ في المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة إلى أنَّ المستوياتِ العاليةَ من تلوُّث الهواء قد تُضعِف القُدرات الذهنيَّة عند المُسنّين، وأن الجُزيئاتِ الدقيقةَ المُلوّثة للهواء هي من عوامل الخطر للإصابة باضطراب في وظائف الدماغ.

وعلى صعيد صحة الأطفال السلوكية، توصل فريق الدكتورة إيفيلين تالبوت، الأستاذة بجامعة بتسبورغ الأمريكية إلى أن تعرُّضَ الأمهات الحوامل والمواليد لاحقاً إلى الهواء الملوّث يرتبِط بإصابة الأطفال باضطراب التوحُّد، ووجدوا بأن فُرصَ إصابة الأطفال بطيف اضطرابات التوحُّد كانت أعلى بمرَّة ونصف عندما كان التعرُّضُ إلى تلوُّث الهواء مُرتفِعاً عبر فترة الحياة المُمتدَّة من مرحلة ما قبل الحمل وإلى العام الثاني من العُمر.

وفي السياق ذاته، توصّلت دراسة أمريكية أجريت في العام 2014 واشتملت على 250 طفلاً بأن تعرّض الأمهات الحوامل للهواء الملوث في أثناء الحمل قد يُحرّض إصابة المواليد باضطراب نقص الانتباه وفرط النَّشاط.

رابعاً- الحمل والولادة:

تتوفر العديد من الأدلة العلمية التي تُشير إلى وجود صلة بين تعرّض الأمهات الحوامل للهواء الملوث وولادة الأطفال بشكل مبكر، أي قبل اكتمال الأسبوع السابع والثلاثين من الحمل (ويُطلق عليهم اسم الأطفال الخُدَّج).

ففي دراسة أجراها فريق الدكتورة زايوبين وانغ، الأستاذة بكلية الصحة العامة بجامعة بلومبيرغ الأمريكية في العام 2016، توصل الباحثون إلى أنَّ تعرُّضَ الأم الحامل إلى كميَّات قليلة من الهواء الملوث (وخاصة في الأشهر الثلاث الأولى من الحمل) قد يزيدُ من خطر مُضاعفات الحمل لديها بما قد يُؤدِّي إلى ولادة الطفل بشكل مبكر، وإصابته لاحقاً بمشاكِل صحيَّة على المدى الطويل.

وفي دراسة أمريكية أجراها فريق الباحثة أولين ميندولا، من المعهد القوميّ الأمريكيّ لصحَّة الأطفال والتنمِية البشريَّة، توصل الباحثون إلى أن تعرُّضَ الأم الحامل المُصابة بالربو إلى مُستوياتٍ مُرتفِعةٍ من الهواء الملوث بسبب حركة المُرور (قبل بحدوث الحمل بثلاثة أشهر وفي أثناء الحمل) قد يزيدُ من خطر وِلادةٍ طفلها بشكل مبكر بنسبة تصل إلى 12 في المائة.

وعلى الصعيد ذاته، توصل فريق الدكتورة إميلي دي فرانكو، الاختصاصية بمستشفى سينسيناتي للأطفال إلى أنّ التعرُّضَ إلى مُستوياتٍ مُرتفِعَةٍ من الهواء المُلوَّث في الحمل يزيدُ من خطر وِلادة الخُدَّج بنسبة 19 في المائة وبلغ هذا الخطرُ أعلى درجاته في أثناء الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل.

خامساً- معدلات الوفيات:

أصبح من الثابت علمياً بأن تلوث الهواء حصد ولايزال يحصد أرواح الملايين من الأشخاص في العالم، وتشير التقديرات إلى أن الرقم يتراوح بين مليونين إلى خمسة ملايين حالة وفاة كل سنة. ومن جهةٍ أخرى فإن إجراءات مكافحة التلوّث قد ساهمت في الحد من أعداد الوفيات في بعض مناطق العالم، كما حدث في كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية.

توصّل باحِثون من جامعة كارولينا الشمالية في العام 2013 إلى أنَّ حوالي 2.1 مليون شخص يموتون سنوياً حول العالم نتيجة موجة من تلوّث الهواء بالمواد الجُزيئيّة الدقيقة، حيث يُمكن لهذه الجُزيئات الدقيقة في الهواء أن تتغلغلَ عميقاً إلى داخل الرئتين وتُسبِّب السرطان وغيره من الأمراض التنفّسيّة.

أما الدراسة التي أجرها فريق الدكتور ميخائيل براوير الأستاذ بجامعة بريتش كولومبيا/كندا في العام 2016، فقد توصلت إلى أن النوعيةُ الرديئة للهواء مسؤولة عن الوفاة المُبكِّرة لحوالي 5.5 مليون إنسان في مُختلَف أنحاء العالَم، ويحدُث أكثر من نصف هذه الحالات في الصين والهند، وهما من البلدان التي تشهد نموَّاً اقتِصاديَّاً هُو الأسرع في العالم.

وعلى الجانب الآخر، أشارت دراسةٌ أمريكية أجراها فريق الدكتور إتش كيم ليرلي الأستاذ بجامعة ديوك الأمريكية إلى أن مكافحة تلوث الهواء ترتبط مع تراجع في أعداد الوفيات جراء الإصابة بالأمراض الرئوية. حيث حلَّل الباحِثون بيانات الصحَّة العامَّة في ولاية كارولينا الشمالية بين العامين 1993 و 2010، ووجدوا أنَّ مُعدَّلاتِ الوفيات بسبب الرَّبُو والالتِهاب الرئويّ وانتِفاخ الرِّئة تراجعت في أثناء تلك الفترة؛ وأنَّ هذا التراجعَ تصادَف مع تحسُّن في نوعيَّة الهواء.

وعلى صعيد المواليد، أشار باحثون أمريكيون مؤخراً إلى تنامي الأدلة العلمية التي تشير إلى وجود صلة بين تلوث الهواء وزيادة خطر ولادة أجنّة ميتة، وذلك بعد مراجعتهم لعدد من الدراسات المُجراة في هذا الصدد. حيث وجدوا بأنه في العام الماضي وحده كان بالإمكان تجنّب حدوث أكثر من 2.6 مليون حالة ولادة أجنة ميتة.